تجديف بلا بوصلة (عن الشغف والحياة)

أيامنا متشابهة، نضغط زر الغفوة مرارًا، نستيقظ بصعوبة، وقد نستسلم ونعود للنوم. حرب مألوفة لدى الجميع، قد يوجد قائد وقد نكون نحن القادة. بوجود القادة يغدو الاستيقاظ أسهل، لكن ماذا إذا لم يوجد قائد وأصبحنا نحن القادة والجلادين والتابعين، ماذا لو كانت البوصلة بوصلتنا ونحن من نقوم بالتجديف بالكامل؟

لا ينقطع الحديث عن الشغف، عن الشغف كإكسير الحياة، كالمعنى من الوجود بالكامل، والموت نتيجة لغياب الشغف. يغيب تمامًا عن أذهاننا بأنه مجرّد اتجاه وبداية طريق، وهو نقطة البداية والدرجة الأولى في السلّم. الشغف لن يفرش الأرض ذهبًا لوحده، ولن يجعل الحياة وردية باكتشافه، الشغف يعطي الوجهة ويترك لك حرية العبور وكيفيتها.

الشغف مهم ولكنه ليس الهدف الأساسي، ليس نقطة وصول وختام، وبالتأكيد ليس الشغف هو المنقذ من رتابة الأيام، والمنجي من الفراغ واللاجدوى، بالإضافة إلى أنه غالبًا ما تكون الرحلة للعثور عليه مضنية، ومهمة الحفاظ على اتقاد شعلته أصعب. وإحدى الطرق للوصول إليه هي الروتين المتجدد. الروتين المتجدد يساعد على اكتشاف الذات، وباكتشاف الذات نصل للشغف.

أقصد بالروتين اليومي المتجدد أن نحدد وقتًا للاستيقاظ والنوم، يتضمن نشاطات مختلفة على أصعدة مختلفة، وبين الفترة والأخرى تتغير تلك الأنشطة، وما بين نشاط وآخر نكتشف أنفسنا كما نقوم بتقشير البصلة، وبتقشير البصلة بالكامل نصل للطريقة المثلى للعيش، طريقة تناسبنا، على مقاسنا، تملأنا بالطاقة، وتوقظنا صباحًا.

لا عيب من البكاء، ولا عيب أن نكون عاديين، يكمن السحر أحيانًا بكوننا عاديين، لا نحتاج لأن نكتشف علاجًا للسرطان، ولا نحتاج لأن نبني صاروخًا للقمر، نستطيع العيش بهدف زرع ضحكات أكثر، وتعلم وصفات جديدة، نستطيع العيش بهدف إقامة صداقات أكثر وتعميق لصداقات أخرى، أن نعيش بهدف أن نكون أفضل من أنفسنا بالأمس، ولو بتعلّم كلمة جديدة كل يوم.

تكريس العيش للبحث عن الشغف لا يختلف عن التجديف بلا بوصلة، جهد كبير مبذول للبحث عن شيء مجهول، طريق ضائعة و وقت مهدور ورأس يدور بالأفكار. وما بين هذا وذاك الروتين الذي سيختصر الطريق، وسيجعل للأيام معنى، أيام قضيناها برضى بتحقيق مهمات بسيطة مرضية، عن أيام استلقينا فيها لساعات للتفكير بمطلب مجهول.

لا يوجد روتين مثالي، ولا يوجد يوم مثالي، ولا حياة مثالية، وما يجب أن نطمح إليه هو أن نضع رؤوسنا على المخدات في نهاية اليوم ويملأنا الرضا، الرضا بما كتبه الله لنا خلال اليوم، بما قمنا بشطبه في قائمة المهمات، وبما جعلنا نمتن أننا على قيد الحياة، بزهرة شهدنا تفتحها، بضحكة صنعناها، وبعناق دافئ أعطيناه.

وكخاتمة أضيف اقتباسات من كتاب الإنسان والبحث عن المعنى، وحتى يوم الإثنين القادم، إلى اللقاء يا أصدقاء.

أن تكون إنسانًا فإن هذا يعني أن تكون مطالبًا بمعنى تنجزه وبقيم تحققها.

كان المرح في الواقع سلاحًا آخر من أسلحة الروح في نضالها من أجل البقاء أو المحافظة على الذات. ومن المعروف جيدًا، أن المرح يستطيع أن يزود المرء بالانعزال عن أي موقف والقدرة على أن يعلو فوقه، حتى ولو لثوانٍ قليلة فقط.

يكشف الفراغ الوجودي عن نفسه في حالة الملل

كل شيء يمكن أن يؤخذ عدا شيئًا واحدًا، وهذا الشيء الواحد هو آخر شيء من الحريات الإنسانية. وهو أن يختار المرء اتجاهه في ظروف معينة، أي أن يختار المرء طريقه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top