حادث أودى بكل العائلة إلا شخص واحد

By Lorenzo Mattotti

تركض يمينًا ويسارًا، للأعلى والأسفل، تحضر علبة مناديل، كأس من الماء، مقص، وقبعة. يتحداها الجميع على إحضار حاجياتهم بأسرع ما يمكنها، وتنطلي عليها الخدعة في كل مرة. وفي المرات القليلة التي ترفض بها ذلك معللة سأمها من الأوامر، يخترع الجميع حيل جديدة لتنخدع بها.

ولم تنتهي مشكلتها عند الرابعة، فمعاناة أصغر العنقود مع الأوامر لا تنتهي أبدًا، حتى بعد بلوغها العشرين، يدور رأسها بالأوامر، أغلقي الباب، حضري الشاي، أعدي السفرة، أكوي الملابس، ولا ينفك أخوها الأكبر عن ترديد:”أصغر القوم خادمهم” والتي أصبحت تكملها قبل أن ينهيها بنفسه، يقول كلمة “أصغر” فتكمل هي الباقي، استسلامًا وحنقًا.

أصبحت كلمة -اتحداك- مفتاحًا لشخصيتها في الرابعة، تتحول بغمضة عين لطفلة مستعدة لفعل المستحيل لأجل الفوز في التحدي، ولم يكن المفتاح مع إخوتها وعائلتها فقط، بل مع صديقاتها في المدرسة، استنسخ المفتاح لنسخة احتياطية كثيرة بيد الجميع، يتحدونها لوضع أحمر شفاه وسط الفصل أثناء شرح المعلمة، يتحدونها للهرب من الطابور الصباحي، يتحدونها للصراخ وسط التجمعات، ولا تهمها النتائج بقدر ما يهمها نجاحها في التحدي.

وفي وسط جلسة تأمل أرغمت على القيام بها بسبب صديقتها المغرمة بالتأمل واليوقا، قررت أن تتمرد على الجميع، لا أوامر بعد اليوم، لا تحديات، ومفتاحها سيكون بيدها هي وحدها، وستجعل من كلمة تحدي كأي كلمة أخرى، ككلمة صحن أو نوم، وفي كل مرة ستسمع فيها كلمة -أتحداك- ستبتسم فقط، وكنصيحة من صديقتها مدمنة كتب تطوير الذات، ارتدت خاتمًا يذكّرها بقرارها، وفي كل مرة توضع بموقف مماثل ينم عن عجز الشخص المقابل وخبثه، ستبتسم فقط.

*

الخميس، ميعاد التجمع العائلي، أطفال كثر، لا مجال للمشي، إما أن تطأ أحدهم أو أن يطؤوك، أكل في كل مكان، على الأرض، الطاولات والكراسي، مهروس أو معاد تدويره، سفرة بلاستيكية طويلة تمد للعشاء، ينشغل الجميع بعرض أطباقهم، أصوات متداخلة، وجمل غير منتهية، وصرخات مرتفعة وحادة من الأمهات لأطفالهم لتناول العشاء، يجلس الجميع، حوالي الثلاثين، ما بين أمهات وأطفال ومراهقين يتمنون الموت على حضور مثل هذه التجمعات. وأخيرًا، ستجلس هي بعد مدة تجهيز طويلة، تمتد يد مجهولة من الأسفل، توقفها عن الجلوس، تقول عمتها :”السفن والبيبسي وينهم؟” تنظر من حولها، الجميع جلوس إلا هي، منظر مألوف، تلمس خاتمها وتبتسم، تعيد عمتها تكرار السؤال، وتكتفي هي فقط بالابتسام بتفرس أوجه الجميع، تقول عمتها الكبرى:”تذكرين يوم كنا نقول اتحداك تسوين الشيء وتسوينه؟ ياالله نتحداك تجيبين السفن والبيبسي بعشر ثواني، مستحيل تسوينها عاد الحين كبرتي” وكانت الجملة الأخيرة هي ما أعاد المفتاح لمكانه، ركضت بسرعة للمخزن، تكاد أن تتعكرف بساقيها، تخرج السفن والبيبسي من الثلاجة وتعود راكضة، تحسب من الواحد إلى العشرة في رأسها، وتؤمن بأنها وصلت لسفرة العشاء عند الثانية ثمانية، تضحك بانتصارها وتحاول فتح علبة السفن وهي واقفة، تطير أعين الجميع نحوها، تتسع كفناجيل قهوة، إشارات تعني كلمة لا مختلفة، بالأصابع، بالنظرات وبالجسم كاملًا، لكنها لم تنتبه لشيء سوى فتح العلبة لإكمال التحدي. انفجرت علبة السفن بفعل تطاير الغازات بركضها، شلال من السفن البارد يصيب الجميع إلا هي، أودت بكشخة الجميع سواها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top