قصة شخص يموت وحيدًا

By the Deathbed (1896)

أريد أن أموت وحيدًا، أتمنى بأن أموت وحيدًا، أختنق بوحدتي قبل أن أشعر بخروج روحي، أموت على فراشي، بهدوء، بدون عويل وبكاء، أن أكون الشاهد الوحيد على نهاية معركتي، أرفس السرير بدون قلق، أتعرق بدون أن أثير شفقة، أن يكون منظر السقف هو آخر ما أنظر إليه، المروحة التي لم تعمل قط، والعنكبوت الذي يتدلى يوميًا من طرفها، أن تخرج دمعتي الأخيرة بدون أن يمسحها أحد، كآخر فعل أقوم به بإرادتي في هذه الحياة.

أريد الموت حرًا، لا أن أموت مقيّدًا بأجهزة الإنعاش، يركض الأطباء من حولي، تحوطني رائحة المستشفيات الدالة على الموت، ودبيب مرتفع يصم الآذان، يتغير المريض الذي على السرير المقابل بشكل دائم بعد أن أعتاد عليه، علاقات المستشفى تبدأ وتنتهي في نفس المكان، لا أريد أن أشاهد الآخرين يغادرون وأن أنتظر دوري للمغادرة من بعدهم، لا أود توديع الجميع بينما أنتظر دوري، وهل سيكون هنالك من يودعني بعد أن ودعت الجميع؟

تمنيت الموت يوميًا خلال عملي، أن تنفضني الكهرباء، أرتعش لعدة دقائق قبل أن أسقط من أعلى العامود، وبذلك تنتهي حياتي، أموت معلقًا في الهواء، طريقة جديدة وجذابة للموت، الموت معلقًا بأسلاك الكهرباء، سأموت وحيدًا، وبشكل سريع، لكن مخلدًا في أذهان الجميع، كالرجل الذي مات معلقًا في الهواء.

أتساءل إن كان الموت خلال الحرب هو ما أطمح إليه، أن أموت بفعل قنبلة، أتلاشى في كل مكان، أن أموت في كل مكان، تحت شجرة، فوق صخرة، داخل نهر، وعلى التراب. أو أن أموت بسبب رصاصة، أسقط على ظهري، أتأمل السماء، إلى أن أغيب عن الوعي. لكن ماذا لو كانت رصاصات، ماذا لو اخترقتني عشر رصاصات دفعة واحدة؟ هل سأستطيع تأمل السماء؟ لا يهم، الأهم أن أموت وحيدًا.

مت عشرات المرات مسبقًا، مت في كل مرة أتخيل موتي، لكنني لم أمت فعليًا حتى هذه اللحظة، أهذه دعوات جدتي لي بطول العمر؟ أم هي ضربة حظ؟ في كل مرة أتخيل موتي قبل أن أنام، أكتب رسالتي الأخيرة، أغمض عيني، أشعر بخفقان، تدمع عيني، هذه هي اللحظة إذًا، ابتسم، أغرق في النوم، استيقظ صباحًا بنفس الوضعية التي نمت فيها بالأمس، تبًا، لم أمت.

شقائي في هذه الحياة لم يكن إلا لأستطيع أن أموت كما تخيلت، اختياراتي كلها كانت لأجل أن أموت، أدرس بعيدًا عن المنزل، أمشي للمدرسة، أتمنى أن أموت دعسًا، لكنني لم أمت دعسًا خلال خمسًا وعشرين سنة، أعيش بمفردي لتصيبني جلطة أو لأختنق بطعامي لأموت، لكنني فقدت شهيتي للطعام لأموت مختنقًا. أعمل في الكهرباء لتقتلني الشحنات، لكنني أظن بأنني أصبحت موصلًا لها أفضل من أسلاك النحاس التي أعمل بها ليلًا ونهارًا، وبذلك فقد طلبت الموت قدر استطاعتي من كل مكان، إلا أنه يأبى إجابتي.

لا أريد أن أموت منتحرًا، لا أريد ضجة الشفقة، لا أريد أن يتم نسياني، كرقم تم طرحه من سكان البشرية ليس إلا، أن يتم إيجادي منقوعًا بدمائي، أو معلقًا ككيس ملاكمة مهترئ، بل أن أموت موتة طبيعية، لم تكن لي يد فيها. ومن المضحك الآن أنني أكتب هذه الكلمات تحت الأرض، بملجأ يمتلئ بالعديد من الضحايا غيري، نتراص، نترقب وصول الصاروخ للأرض، وحيدًا بروحي فقط، وإنما لا أستطيع إيجاد نفس واحد لأسرقه لنفسي، وكلماتي هذه تقرأ ممن يلتصق بجانبي الأيمن، هل سأموت اليوم أخيرًا؟ أو سأعيش لأموت وحيدًا بعد موت الجميع؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top