مشهد من أعلى السطح -الجزء الثاني- (وصف لطريقة لبسي)

بلوزة شتوية اشتريتها سادة وطلبت من جدتي تطريزها

أحضرت معي اليوم للمراقبة وجبة فطور كاملة، فلقد سمعت من والدتي بأن نساء الحي يجمعن الملابس القديمة للتبرع بها، وبالتأكيد ستشارك هي بتلك المهمة الطويلة. أحضرت شطيرة بيض، وقد اتبعت طريقتها بإعدادها، حيث أضفت شريحة طماطم وكاتشاب، سأحاول تفهّم منطقها في هذا. وأحضرت أيضًا كوبًا من الشاي، وبسكويتًا بنكهة جوز الهند كتحلية، وموزة كوجبة خفيفة، ولم أنسى بالطبع إحضار صينية لحمل كل هذا.

أجلس متربعًا، ملصقًا وجهي بحافة الجدار الأسمنتي، أراقبها من نافذتها المفتوحة، أرتشف الشاي بينما تنظر هي إلى دولاب ملابسها، لم تفتحه بعد، تقف أمامه واضعة يديها على خصرها، وأظنها تفكر بالتراجع عن قرارها بالمشاركة، إلا أنها تفتح الدولاب الأبيض كاملًا، تفتح البابان اللذان لا يحفظان الملابس فقط، وإنما بعض الصناديق أيضًا، أتشوق لمعرفة ما تحمله تلك الصناديق البنية. تكدس الصناديق البنية على يسارها، مع عدة أشياء أخرى في أكياس أجهل ماهيتها. تنتهي من رف الصناديق العلوي وتنزل للرف الذي يليه.

مع مراقبتي الشديدة والدائمة لها إلا أنني لم أستطع تحديد أسلوبها في الملبس، تخرج كومة ملابس سوداء من الجهة اليمنى من الرف، كومة عملاقة تضعها أرضًا، ترفع القطع أمام وجهها، أرى تيشيرت ذو أكمام قصيرة ورقبة طويلة بلا أية رسومات، هل هي صيفية أم شتوية؟ لا أعلم. ترفع بعدها تيشرتًا واسعًا يغطيها بشكل كامل وهي جالسة، لا يحمل أي رسومات من الأمام ولكنه ملوّن من الخلف، أعجبني في الحقيقة، لكن أهو مقاسها؟ وكل القطع السوداء التي تليه بلا رسومات، أو كتبت عليها عبارة بسيطة من الأمام والخلف لا غير. إذا هذا هو أسلوبها، السواد اللانهائي.

لكن دقيقة، كومة بيضاء أكبر من سابقتها السوداء الآن على الأرض، ترفع تيشيرتًا شبيهًا بالأسود قبل قليل، تيشيرت أبيض ذو أكمام قصيرة ورقبة طويلة وبلا رسومات، إذا لديها تيشرتان بلونين مختلفين، ولم تتبرع بأحدهما. كل القطع البيضاء التي رفعتها لا تحمل أية نقوش أو رسومات. هذا غريب. أعتقد بأنها تحب الأسود والأبيض إذًا، كئيبة بعض الشيء على عكس ما تظهر.

لحظة، ما هذا؟ اللون ينعكس على عدسة المنظار، تيشيرت أخضر من ألوان النيون، لم أرى أي تيشيرت كهذا التيشيرت من قبل. تخرج بعده تيشيرت برتقالي من ألوان النيون أيضًا، لا أصدق بأن هذه الألوان تخرج بعد تلك الأكوام من السواد والبياض قبل قليل. تخرج بعدهما بلوزة مخططة بألوان الطيف، أهي…؟ لا مستحيل. ألوان عديدة تجتمع على الأرض، ألوان لم تخطر على بالي، أزرق، أحمر، وردي، أصفر، حفلة من الألوان والتصاميم، ولم تضع أيًا منها في كيس التبرعات بعد.

تخرج كومة ثانية من الملابس الملونة، لكنها كلها مخططة، وذات أكمام طويلة، بلوزة خضراء مخططة بالأبيض، وأخرى سماوية مخططة بالأبيض، صفراء مخططة بالأسود، خطوط عريضة، وخطوط نحيفة. تخرج من بينها كومة قمصان ذات أكمام طويلة ونقوش مربعة. لكن ماذا عن الورود؟ لا أرى أية ورود من بين تلك النقوش كلها.

فهمت الآن سبب امتلاكها للملابس السادة بكثرة، لديها تنانير ذات نقوش كثيرة، وتظهر لي الآن الورود، تنورة سوداء بورود حمراء، تنورة أخرى خضراء بورود بيضاء، تنانير كثيرة بنقوش بديعة في الحقيقة، لكن لحظة، تلك تنانير سادة أيضًا! لديها تنانير بنفس تصميم التنانير المنقشة لكنها سادة! أظنني وقعت بالإعجاب فتاة غريبة أطوار حقًا. وما زالت كيس التبرعات فارغة.

ونفس الأمر يقع في الفساتين التي تمتلكها، فالجزء الأول من الفساتين التي أخرجتها سوداء بلا أية نقوش، أخرجت بعدها مجموعة فساتين بيضاء، سادة، وظننت لوهلة أنها لا تمتلك غيرها، إلا أنها أخرجت فستان وردي عملاق، يتبعه فستان أصفر، فنفسجي، أزرق، أحمر، لكنها تشترك جميعا بأنها كلها بلا نقوش، سوى اثنين وأظن بأنها فازت بهما بالياناصيب، فهما يختلفان تمامًا عما أخرجته سابقًا. ولم تضع أي فستان بداخل الكيس حتى الآن.

تجلس على الأرض تتأمل ملابسها، وأستغل ذلك الوقت بتناول الموزة، تعود لإدخال كل الملابس لأماكنها كما أخرجتها، وتعود لوضع الصناديق أيضًا في رفها بدون أن تفتحها. أخذت كيس التبرعات وقامت بتسفيطه لمربع بحجم اليد، وخرجت به من باب الغرفة. أظن مراقبتي انتهت لليوم بدون نتيجة لمعرفتها بشكل أكبر، فهي على حسب ملاحظتي تحب تجربة العديد من الأساليب والألوان، لكنها تميل للمريح منها والبارز، وتكره النقوش، وتتقبل بشكل بسيط الورود. وأظنها تحب العودة بالزمن، فلديها عدة معاطف قريبة للتي تمتلكها جدتي.

*ملاحظة

تقول منيرة أختي بأنني محظوظة لأنني لا أتعب بالبحث عن ملابس، فسرعان ما أجد ما يعجبني في السوق وغيره، مع أنني أظن بأن ذوقي غريب قليلًا إلا أنني أظن بأن الأسواق تمتلئ بالأشياء الغريبة. وللتنويه، فإنني لا أكره الورود والنقوش بشكل كامل، وإنما أفضل وجودها بخفة وبساطة، لا أحب زحمة النقوش، إما نقوش مرتبة صغيرة أو فلا. وهذا الذوق ما دعاني إلى التطريز في المقام الأول.

اشتري الملابس السادة لكي لا تسرق الأنظار بدلًا من جواربي
حقيبة الجامعة قمت بتطريزها بنفسي
تنورة عيد الفطر، وكانت تجربتي الأولى بالتطريز
آخر أعمالي التطريزية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top