موضوع أدى بي إلى نسيان طريقتي بالتفكير

Double Exposure Portraits By Andreas Lie

كعادة اليوتيوب، يقفز مقطع فيديو غريب مفاجئ في الصفحة الرئيسية، ليس له علاقة بأي نتائج بحث سابقة، أو حتى اهتمامات مكشوفة بزر الاعجاب. عناوين كثيرة قد يكون أحدها أرنب يطير بأذنيه، أو سبب ظهور قوس المطر، أو مقطع يشرح كيفية صنع ايسكريم السعودية. إلا أن الحال ينتهي دائمًا بمشاهدتها، كما يظهر لي من خلال التعليقات. وما ظهر لي قبل فترة، هو هذا المقطع عن مقابلة مع فتاة تفتقد القدرة على الحديث الداخلي مع نفسها، مما أفضى بي إلى الوقوع في حفرة أرنب عميقة، غير التي وقعت فيها أليس، وإنما حفرة من المقاطع، وصفحات غير منتهية وغير جازمة. فمع بحثي المطول المقارب إلى الثلاث ساعات المتواصلة، لم أصل إلى نتيجة مرضية من الفهم. ولكن هل سأتوقف عن الكتابة متعذرة بنقص فهمي؟ بالطبع لا، سأهديكم صداعًا يعود لي بالفائدة من تصحيحكم لي. ولدي الطريقة المثلى للتخلص من الصداع بتجنب البحث عن الموضوع، وتقليد هذا المقطع.

يقصد بمصطلح ( الحديث داخلي ) أن يستطيع الانسان التوجه بالحديث مع نفسه بدون صوت أو تعبير. تتطور هذه القدرة من سن الطفولة المبكرة، وقد يتم الحديث عن طريق سؤال وإجابة أو بإقامة حوار متكامل، بعدة أطراف أو بطرف وحيد، وقد يكون أيضًا بنبرة صوت معينة. وظننت أن الجميع يستطيع الكلام مع نفسه، إلا أنني صدمت بمقطع اليوتيوب ذاك.

عدم وجود مونولوج داخلي تعني عدم قدرة الشخص على سماع صوته، وحتى عدم قدرته على استحضار صور معينة، أو تخيل مواقف معينة. وهذا ما أصابني بالذهول الشديد كوني أقضي دقائق عديدة في الحديث مع نفسي، وانتهي ببناء صور وعالم خيالي متكامل لأفكاري، وأعاني أصلًا من سيل الأفكار الذي لا أستطيع إقافه بسهولة، يدمر علي حصص اليوقا، ويفسد علي لحظات تأملي للطبيعة، ويطرد عني نومي.

قادتني أفكاري بهذا الموضوع إلى العديد من الأسئلة، هل يقدر الشخص الغير قادر على الحديث مع نفسه على التفكير بالماضي؟ هل تعلق الأغاني في رأسه؟ هل يستطيع إبداء آراء؟ وكيف يستحضر معلوماته؟ واكتشفت أثناء اطلاعي على هذه الحالة على بعض الإجابات. عند حل المشكلات، يقوم الشخص بالتفكير بالمشكلة على طريقة إيجاد حل للغز ما، كترتيب ألوان مكعب أحاجي روبيك. وكما وصفته فتاة قائلة بأنها تشعر بالمشكلة كجملة بفراغات، وهي تقوم بالبحث عن كلمات لملئ هذه الفراغات. ولا يفكرون خلال تلك العملية بعواقب الحل، أو بالماضي المتعلق بالمشكلة. وفيما يتعلق بالقرارات اليومية، فبشعورهم بالجوع، تأتي مثلًا كلمة خبز في عقولهم، بدون صور أو صوت أو بإضافات معينة للفكرة. وإما عن الحديث عن الماضي، فهم في لحظة حصول موقف ما، يفكرون في بدائل لردة فعلهم غير التي قاموا بها قبل لحظات، ويكتفون بتخزين هذه الأفكار، ويترسخ الشعور والموقف في ملفات في مكان ما في أدمغتهم، ولا يعاد فتح هذا الملف إلا في موقف ذي شعور مماثل. وأما عند الحديث عن القراءة، فهم يقرؤون بسرعة شديدة لعدم حاجتهم إلى تخيل الموقف، وإنما يقومون بعمل خريطة ذهنية للمفاهيم المقروءة ليعودون إليها عند الحاجة. يقرؤون بصوت مسموع أحيانًا ليناقشوا أنفسهم، إن احتاجوا إلى نقاش في المادة المقروءة.

ينام الأشخاص الغير قادرين على الحديث الداخلي مع أنفسهم بصعوبة، كونهم يعملون بشكل مستمر على ترتيب ملفات مفاهيمهم، وتقول إحداهن بأنها قبل نومها أفكارها تكون كفقرات بمربع ينتظر التلوين. فهي ترى جمل غير مترابطة تنتظر منها أن تقوم بوضعها في مكانها الصحيح. والذي أصابني بالصداع هو أنها تقول بأنها لا تستطيع رؤية الكلمات، وإنما تعرف ترتيب الجمل، ولأني بصرية لم أستطع فهم ما تقصده، أو أي شيء يقصده أي واحد منهم.

في مشهد لشخصين يحملان زجاجة عملاقة، الشخص الغير قادر على الحديث مع نفسه سيفكر فقط في احتمالية سقوط الزجاجة، لن يفكر في النتيجة، ولن يستطيع تخيل شكلها. وتستطيعون قياس كل شيء على المثال.

قرأت في كتاب- لسانيات تشومسكي – في سلسلة الدراسات اللسانية لدار دجلة، بأن التفكير بالكلمات قبل نطقها هو وسيلة للحديث، وبذلك توجد وسائل واستراتيجيات أخرى للحديث بغير التفكير بالكلمات وترتيبها في جمل وأخذ حوار معها، وهو ما قلت مسبقًا، حل الجمل كأحجية للنطق بها، وبالنطق بها يستطيع الشخص تعديلها بسماعها تخرج من فمه.

أثناء الكتابة، يكتبون بدون تفكير، وإنما بحرص على تركيب جملة صحيح، وبعد انتهاءهم من كتابة جملة صحيحة الترتيب، يعودون لقراءتها لاستبدال الكلمات التي تحتاج إلى عادة صياغة. وهكذا دواليك، خلال الحديث والكتابة، يسكب كل شيء، ويعاود تنظيمه مجددًا.

ما زلت لم أشف غليلي من البحث، ولا أظنني سأستطيع تخيّل ما يمرون به، فالقراءة عن الموضوع بالنسبة لي هي صعبة جدًا، تحزنني وتفجّر رأسي في ذات الوقت، كونني غير قادرة على فهم تنظيم عقولهم المغاير. ونتيجة لمحاولاتي الجهيدة لفهم ذلك، نسيت كيف أفكر أنا بدوري، كما يحدث عند استيعاب فكرة التنفس، ننسى كيف نتنفس للحظات، وهذا ما حدث معي، نسيت كيف أرتب أفكاري لوهلة.

وحتى يقترح لي اليوتيوب مقاطع غريبة أكثر، إلى اللقاء يا أصدقاء.

*حاشية

المكتوب يمثل ترجمتي لبحوث متفرقة ومقالات على الانترنت لم أتأكد من صحتها، وآراء وتجارب شخصية من عدة مواقع مختلفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top