خضت آخر اختبار بمسرتي الجامعية يوم الأربعاء الماضي، وحتى هذه اللحظة لا أصدق ذلك. أشعر بشكل مستمر بوجوب تحديث تطبيق البلاكبورد، أشعر بوجود واجب لا أتذكره، أو مشروع يتوجب علي تنفيذه، وفعلًا من اعتاد القلق ظن الطمأنينة كمين. ومع أنني بوجود الواجبات والمشاريع فكل ما أفعله هو تأجيلها حتى آخر لحظة، فينهشني القلق في كل دقيقة، ولا أعلم لما أفعل ذلك بنفسي. ومع ذلك، تغريني بعض الواجبات بفكرتها، فأتحمس لتنفيذها، وأنهيها في جلسة واحدة، ومع أنها قليلة إلا أنني أقوم بها باهتمام شديد لدرجة أنني أحتفظ بها في ملف كتاباتي الخاصة، كإنجاز يحتفى به.
كان آخر اختبار سهلًا، ولم أترك سوى فراغ واحد، ولا أعرف إجابته إلى الآن، فلقد كان يطلب مثالًا على كلمة ألمانية نرويجية -أو شيء من هذا القبيل- دخيلة على اللغة الإنجليزية، وكنت من اليأس أقترب من كتابة اسمي في الفراغ، إلا أنني تراجعت وكتبت كلمة ألمانية لعلّها تعطيني نصف الدرجة على الأقل. قمت بحذف هذه المادة في الفصل الماضي، لأنني لم أتحمل الضغط حينها، وكنت أظن بأنني من المستحيل أن أحصل على ممتاز أو جيد جدًا على الأقل فيها، لأنني لم أستوعب المحتوى-قامت دكتورتنا بحذف الكتاب وأعطت كل مجموعة من الطالبات موضوعًا ليبحثوا عنه ويشرحوه لتكون تلك المواضيع بديلة عن الكتاب- فلقد كان المحتوى مجهولًا، وتقسيم الدرجات متغير في كل يوم، والدكتورة تصرخ في كل يوم، وظننت بأنني هالكة لا محالة، فحذفتها وتأخرت فصلًا دراسيًا كاملًا عن التخرج. استوعبت بأن المادة سهلة جدًا بالرغم من كثرة محتواها، ولا أقول بأنها سهلة إلا لأنني ذاكرتها بشكل يومي تقريبًا، وأعطيتها الكثير من وقتي، ولم يكن الحل للمواد الصعبة سوى المزيد من الوقت لفهمها، وإن كان ذلك بديهيًا، إلا أنه لم تتح لي الفرصة لأستطيع تقسيم وقتي لكل مادة مما يتيح لي فهمها بشكل كامل، فكانت الخطة الدراسية دائمًا أكثر من ستة مواد، ولم اكتشف أن العلة لم تكن فيني وفي فهمي أو في الدكتورات، وإنما في ضيق الوقت، وليتني توصلت لهذه القناعة مسبقًا.
بعد انتهائي من الاختبار، ذهبت للجلوس مع زميلتي من المرحلة المتوسطة مشاعل، وكم كان ذلك منعشًا، كما لو أنني أسقيت المنشطات لكل خليه في جسمي. جرّبت للمرة الأولى أن أكون موظفة تستقبل طلبات الطالبات في مقهى الجامعة، فأثناء جلوسي مع مشاعل وهي موظفة في المقهى، طلبت منها أن أجرب أخذ الطلبات بنفسي، فسمحت لي بذلك، وجربت أيضًا للمرة الأولى عمل كوب قهوة مقطرة، وأظنني اقترب بشدة من دخولي عالم القهوة. وما يمنعني عن دخول هذا العالم هو خوفي من أن تسيطر القهوة علي، ألا أستطيع إكمال يومي إلا بكوب، وأكره أن أكون منقادة لشيء لا أستطيع إيقافه. فلهاذا لا أشرب القهوة بشكل يومي أبدًا، لا السعودية، ولا الأمريكية، ولا أي نوع آخر. وكم كانت أكواب القهوة التي شربتها بالجامعة لذيذة بشكل غير حقيقي، كأن بذورها مسقية بماء الورد، وحبوبها مستلقية على وسائد من حرير، ومطحونة على يدويًا على صوت غناء بديع. ولم يكن ذلك المذاق من أجل هذه الوصفة السحرية بالطبع، وإنما بسبب من شربها معي. أتذكر كل كوب، وكل لسعة أصابت لساني من حرارته بسبب ضحكي أنا وصديقاتي. وأتمنى لو وضعت بعضًا من أثر تلك الأيام في علبة، لأنثرها في كل مرة أشرب كوبًا من القهوة.
خرجت من الاختبار وجلست في الخارج أنا وحصة المشهورة من التدوينة السابقة، وخلال سنواتي الخمس في الجامعة فشلت أنا وصديقاتي من شراء بساط لنجلس عليه خارجًا. في كل مرة تعتدل فيها الأجواء تقول إحدانا وغالبًا أنا:”لازم نشتري فرشة بنات، عشان نجلس برا دام الجو حلو” ودائمًا ما ينتهي هذا الاقتراح بالموافقة والتأييد، إلا أن لا فعلًا ينتج من هذا التأييد. وكنت في سنتنا الأولى أقول:”بنتخرج وما راح نشتري فرشة” وليتني لم أقلها، لأنها أصبحت واقعًا.
أحاول كثيرًا ألا أندم، وأحارب شعور الندم بكل ما أستطيع، ولا يوجد في الحقيقة ما أندم عليه في رحلتي الجامعية هذه، إلا شيئًا واحد ما زلت أحدث به نفسي في كل وقت وهي شعبتي الدراسية. أتمنى بشدة لو أنني تعرفت على زميلاتي بشكل مسبق، إلا أنني كنت في قوقعة على نفسي أحاول استعادة ما سلب منها في فترة من الفترات، ولهذا لم أحبذ أي علاقات جديدة، وجئن زميلاتي كبلسم نهاية الجامعة، وليتهن كن -أو ليتني أنا- أبكر في إقامة العلاقة. لكن على كل حال، أتمنى أن ألتقي بهن في المستقبل، وألا تنقطع تلك العلاقة التي بدأنها في النهاية.
أقول في نفسي أثناء كتابة هذه التدوينة بأنها آخر تدوينة أكتبها عن الجامعة، ولكنني في كل مرة أخبر عائلتي بأنها آخر مرة أذهب بها للجامعة يخبرونني بأنني سأذهب لآخذ الوثيقة، ومن الممكن فعلًا أن أكتب تدوينة بعد أخذي للوثيقة.
وحتى أخذي للوثيقة، إلى اللقاء يا أصدقاء.