“انتهى النقاش” هذا ما يقوله والدهن في كل مرة يفتح الموضوع، يصر والدهن على حشرهن في غرفة واحدة، ولا يوجد أي سبب لفعلته هذه. لم تتوطد علاقتهن أبدًا، فالمشاجرات زادت، والإضراب زاد، والشعر المنتوف يتجول على الأرض. جو غريب ومثير للاشمئزاز أحيانًا ينتشر بالغرفة، فور الدخول من الباب يحترق الأنف من رائحة معطرات الجو، لسعة خفيفة في مقدمة الأنف سرعان ما تتحول إلى سلسلة غير منقطعة من العطاس، وما إن يتقدم الشخص أكثر فأكثر يصيبه الدوار من رائحة الطعام المختلطة، قهوة فبيتزا وأخيرًا بطاطس مقلية، وما إن يتوقف العطاس حتى تشرع المعدة بالحركة والدوران.
لم تتخرجا بعد من المتوسطة، وكلتاهن تحتاج مساحة خاصة للتعبير عن نفسها، في الزاوية اليمنى من الغرفة يقع ثقب أسود بالغ الكبر، تسحب من خلاله الملابس وبقايا الطعام والأكياس. وبجانبه سرير أو بالأصح جبل من كل شيء، من الأغطية والمزيد من الملابس والدمى المحشوة. وعلى الطاولة بجانبه جبل آخر من الصحون والأكواب التي باتت أكثر اخضرارًا من السابق. وأما في الزاوية اليسرى من الغرفة فتقع نهاية قوس المطر، نبتة عملاقة، وأرفف جدارية تحتوي على ألوان عديدة من طلاء الأظافر، وبجانبها طاولة صغيرة عليها مجلة وشمعة ذات رائحة نفاثة، وأما عن السرير فهو مغطى بمفرش أشبه بالحديقة، العديد من الزهور الملونة، والقليل من التناسق.
يرتدين السماعات طوال الوقت، وإخفاءها فهو انتقام، وكثيرًا ما حيكت خطط الانتقام، منها قص سلك السماعات، إغراق السرير بالماء وحتى كسر بعض الأشياء كالهواتف مثلًا. لا يوجد بينهن أي جسر تستطيعان الالتقاء فيه، إلا مشاهدة الأفلام، فهن أقرب إلى الإدمان منه إلى منطقة التقاء، وعند اختيار الفيلم ومشاهدته تتحدثان، وهو الوقت الوحيد الذي تعودان به إلى أن يكن أخوات فعلًا.
يبكين بخفاء لكيلا تكون الحادثة نقطة ضعف في شجار، يبكين تحت المفرش، بالظلام، في الصباح الباكر وقبل النوم. لم تر إحداهما الأخرى تبكي أبدًا، ولا حتى أثناء مشاهدة الأفلام الحزينة، يبتلعن عبراتهن مع البطاطس، ويمسحن الدموع الهاربة بمناديل ويعللن بكاءهن بإلصاق التهمة بالحار نار.
لأسبوع كامل حاربت إحداهن مشاعر الانفصال لوحدها بصمت، تقول لنفسها:”بالطقاق الي يزعل من نفسه يرضى من نفسه” إلا أنها في سهرة الخميس أثناء مشاهدة الفيلم، بكت بجانب اختها، ولم تكن تأكل الحار نار، بكت بصمت حتى انقطعت أنفاسها، وحتى تداري جريمتها التهمت حفنة من أعواد الحار نار دفعة واحدة، وغصّت بإحداها، وهذا ما جذب الانتباه لها أكثر، ساعدتها أختها على لفظ ما أكلت وعلى مسح دموعها، وتمنت بأنه لكان من الأفضل أن تشاهدها أختها تموت باختناقها على أن تشاهدها تبكي.