تسع كلمات واختناق

By David Hockney

صينية مستطيلة بيضاء، ترمس بنية بلا أية نقوش، صحن تمر سكري رمادي، علبة قشطة طازجة وفنجان أبيض وحيد. هذه هي الأواني الوحيدة التي تستطيع استخدامها بدون أن يطلب منها أن تعيدها بحجة أنها أواني الضيوف. تحمل الصينية وتتجه لغرفة المعيشة، والتي تنام وتعيش بها الجدة أيضًا، تتعثر بقميصها الأحمر الطويل وتكاد تكسر فنجانها المفضل، إلا أنها تداركت الوضع بحركة نينجا مدت بها ساقها لمنعه من السقوط على الأرض. تدخل الغرفة على أطراف أصابعها، فلا يجب عليها أن توقظ جدتها تحت أي ظرف كان، أو أن تعكر هدوء الغرفة بأي صوت، ولكنها ما زالت تحت تأثير شخصية النينجا، تحاول أخذ كرتون المناديل الموضوع بجانب رأس جدتها، مخاطرة بذلك بحياتها بدلًا من الذهاب للمطبخ لإحضار غيره، تمد قدمها اليمنى باتجاه السرير بدون أن تغير من مكانها، تحاول القيام بحركة الانقسام إلا أن شدًا عضليًا يقطع خيالاتها، وأصدرت بسببه صرخة مكتومة، أدت إلى تغيّر في نمط تنفس جدتها مما جعلها تمسح أنفها بطرف كمها.

في سكون الليل والغرفة، تذكرت القمر بدرًا، خرجت للاتقاط صورة، حملتها على فورها في الانستقرام وانتظرت تفاعلًا، لكن لا شيء. صبت لها فنجانًا بينما تقوم بتحديث التطبيق، لعل إعجابًا واحدًا يطرق صفحتها لكنها انتظرت طويلًا بلا أية فائدة، حذفتها وعادت لتصفح المقاطع التي سرق أغلبها من التيكتوك.

سلوتها الوحيدة مقاطع المسلسلات التي يعاد تصميمها، فتشاهدها أحيانًا بدلًا من مشاهدة المسلسل نفسه، مقطع وراء مقطع بلا نهاية، حتى ينتهي الشحن فتضطر إلى ترك هاتفتها يشحن. لم تقم بتشغيل هاتفتها أبدًا أثناء إعادة شحنه، فهي تؤمن بنظرية انفجار الهواتف أثناء إعادة شحنها.

فنجان بعد فنجان، تمرة بعد تمرة، وتصميم بعد تصميم، دقائق حتى وصولها للدارك ويب، وقاربت القشطة على الانتهاء، وقارب آذان الفجر، تستيقظ على غير حرة جدتها وتسأل:”ما طق الباب عادل؟” تهتز الأرض من تحتها، يتدفق دمها كله لوجهها، تجيب:”لا ما جاء.” تعود جدتها للنوم بلا اكتراث، وتعود هي لشرب القهوة فتنحرق من القهوة الساخنة ومن الوجد.

عادل يمتلك أكبر نادي معجبين في العائلة، أنف أفطس، بشرة بثلاثة ألوان بكثرة جلوسه تحت الشمس، شارب غير مكتمل النمو، وقصة شعر لو استغنى عنها بحلق شعره كاملًا لأسدى لنفسه معروفًا. قصير مدربح، ضيق المنكبين وذو ضحكة منفّرة. لا يقول النكتة في وقتها أبدًا، يعاني من مرض عدم القدرة على قراءة الغرفة، يأكل بكل أطرافه، ويخلط كل أصناف الطعام الحارة والباردة معًا، ولا ينتهي الوصف هنا، وإنما فيه من سوء الصفات ما يملأ دفترًا ذو مئة صفحة، إلا أن والدته بالتأكيد أجيبت دعواتها له بأن يسخر له من في السماوات والأرض. يقع في مشاكل فيخرج منها بلا أي خسارة أو اتعاض، يملك صداقات من مرحلة الطفولة، لا يكاد يطلب أي شيء حتى يصله، وتتهافت الفتيات على كلمة منه، أو حتى نكتة سامجة يلقيها فيضحكن لإرضاءه.

شاهدت مقطعًا رومانسيًا مجتزأً لمسلسلها المفضل، فاجتاحها الهيام، تمنت بأن تتبدل أماكن الممثلين معها هي وعادل، مع أنها ستكون أطول منه لكنهم سيتدبرون أمرهم بلا شك. ترتشف القهوة وتضع التمرة في فمها، ولم يقاطع مضغها إلا دخول عادل مع باب الغرفة. لم يكن سؤال جدتها عن عادل حلمًا إذا، لم تستطع تصديق عينيها، ولم تستطع ابتلاع التمرة ولا حتى إخراجها، لم تستطع الوقوف بسبب معاناتها بالسعال، انقطع مجرى تنفسها تقريبًا، ترى الموت وعادل يقفان جنبًا إلى جنب، ولا تستطيع التفريق إن كان ذلك الموت أو الجنة. عادل بعقله الضئيل لم يتحرك، وقف ساكنًا، ولم يكن ذلك غير متوقع منه، بل وحتى لم يرفع عينيه عنها، ولعله أراد مساعدتها إلا أنه لم يعرف كيف، وبالتأكيد فكر في نفسه قائلًا “أقول نكتة أضحكها؟ أو أسوي تنفس صناعي؟”

تستيقظ الجدة على صوت سعال حفيدتها، تنزل من على السرير مسرعة لتنقذ حفيدتها التي تلفظ أنفاسها الأخيرة، يخرج عادل من الغرفة بعد أن استعاد حواسه التي لا تعمل بكامل كفاءتها من الأساس، تخرج الجدة قشرة التمرة العالقة من بلعوم حفيدتها وتعطيها الماء. تخرج من الغرفة ويدخل من بعدها عادل.

تكتب في محادثتها مع ابنة عمها:”تخيلي بغيت أموت وانقذني عادل!”

*حاشية

من المفترض أن تكون قصة ذات ثلاث كلمات، لكنني تحديت نفسي بكتابة قصة من كل الكلمات المقترحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top