أنا أو أنتِ؟ أو الكهرباء المقطوعة؟

سقط عامود الكهرباء على المنزل.

*

في اللحظات التي أغرق فيها في التفكير، تمر منيرة أختي أمامي، فلا تقطع علي تفكيري وإنما تصبح جزءًا منه. فأفكر في لحظات صعبة وحاسمة ومستحيلة في آن واحد، فأقول في نفسي:”لو كنا بالفضاء، وخلص اكسجين منيرة اختي، أكيد بنقذها” ومن هذا السيناريو وحتى مئات النسخ المختلفة منه، أكون أنا البطلة التي تنقذ إخوتها الصغار، ولكن ما يقطع تفكيري هذا دائمًا خذلاني لمنيرة في اللحظة الحقيقية التي كان يجب علي إنقاذها فيها.

*

في إحدى الإجازات الصيفية الماضية، سهرت أنا ومنيرة نشاهد فيلمًا حتى ساعات الصباح الأولى، وفي منتصف الفيلم استسلمنا للجوع ونزلنا للمطبخ. وضعت القدر واهتممت بالخلفية الموسيقية، بينما تضع منيرة بهارات الأندومي وتتولى تحريكها. وفي غضون هذه العملية الحساسة، انفجر الفرن.

ولم أتوقع بأنني أمتلك رد فعل سريع كهذا أبدًا، وأظنني خرجت من المطبخ قبل سقوط الأندومي على الأرض. فتحت عيني ووجدت نفسي في الصالة، ألتفت يمينًا ويسارًا لكن لا أثر لمنيرة! أعود للمطبخ سريعًا لأجدها في مكانها بجانب الفرن، تجلس القرفصاء على الأرض، لم تتحرك حتى سحبتها خارجًا. قمت بالمطلوب من إغلاق للغاز وللكهرباء وباقي احتياطات السلامة. وأظنني بذلك أنقذت منيرة بالرغم من تأخري عنها، ولكن بتأخري هذا استجمعت قواي وقمت باللازم، إلا أنها بالعودة للحديث عن الموقف تتذكرني كالهاربة، ولكنها لا تتذكر نفسها كشخص عديم رد الفعل.

نجلس أنا وهي اليوم في فناء المنزل، كراسي رحلات بجانب بعضها البعض، نراقب المطر ونفكر في طريقة لشراء القهوة. هدوء شديد، لم يستيقظ غيرنا، وقطرات المطر تسقط على التراب. حتى أنني تطوعت بالصمت للحظات لنستطيع الانغماس بهذه اللحظة.

سقط عامود كهرباء على المنزل.

صوت عالي مفاجئ، قريب لصوت الرعد، وشبيه بالانفجار، وجدتني في غمضة عين عند باب المنزل، كما وجدتني عند انفجار الفرن في الصالة، ولكنني لم أكن وحدي هذه المرة، كانت منيرة بجانبي، ولعلها أخيرًا تعلمت الدرس. سقط عامود الكهرباء الذي في زاوية الحي على بيت جيراننا، فانقطعت الكهرباء عن الحي بأكمله، منذ الساعة الحادية عشرة صباحًا، حتى السابعة مساءً، وإن كنت سأكتب قائمة للامتنان اليوم، فأنا ممتنة لصبر العامود، فلم يسقط حتى انتهى الصيف تمامًا، وإلا لكان لي ولإخوتي حديث آخر.

لم يحدث شيء لجيراننا الحمدلله، وشرع العمال بالعمل على إيصال الكهرباء بالعامود بعد إعادة تركيبه، وقد استغرقت العملية ساعات طوال وكان قياسها قرابة المئتين صفحة، وعشرة ألعاب، وسبعة دورات على الدراجة حول المنزل، والعديد من القصص وسؤال”لو اضطريتي تختارين بين نفسك أو منيرة مين بتختارين؟ هل بتموتين عشان تحيا منيرة ولا لا؟” وهل تعلمون ما كان جوابي؟ بالطبع اخترت أن أحيا! وهذا ما صدم منيرة، فهي اختارت أن تموت هي وأحيا أنا إن وضعت هي في تلك الحالة، وكان سببها بأنها لا تريد العيش في دوامة من الندم بسبب اختيارها، وأنها تجد مغادرتها للعالم أسهل عليها من أن تودع أشخاصًا مغادرين، بينما أفكر أنا عكسها تمامًا، وهذا ما جعلها تغضب علي طوال ساعات انقطاع الكهرباء، بالرغم من أنها هي من سألت السؤال وطلبت مني الإجابة.

وضعت في مواقف مشابهة كثيرة، لقبت بعدها بالأخت عديمة الرحمة، والأخت التي تبيع إخوانها، ولعبت الكثير من لو خيروك، اكتشفت العديد من الزوايا اللطيفة لإخوتي، وضحكت على أغلبها، وتمنيت أيامًا كثيرة بلا كهرباء. -استغفرالله-

وحتى يوم الاثنين القادم بدون انقطاعات، إلى اللقاء يا أصدقاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top