الاعتياد ومرادفاته

في بداية كتابتي لأي نص، ابدأ بكتابة العنوان، فهو يحدد اتجاه النص الذي أكتبه. أحيانًا يتغير العنوان عند وصولي لنهاية النص المكتوب؛ نتيجة لدبيب الحياة فيه وتشعب أطرافه. وأحيانًا كثيرة لا يتغير بسبب ثباتي على الحدود التي وضعتها. كتبت في بداية هذه التدوينة كعنوان:”كلمة الاعتياد هو مرادف لكلمة قوة” إلا أنني تراجعت عن ذلك نظرًا لاختلاف الصورة التي أريد التعبير عنها بكلمة -الاعتياد-

يمتلئ هاتفي بالصور المباشرة عن غزة، أجساد وأشلاء، وما أن اغلقه حتى تستقبلني ذات الصور والمقاطع على التلفاز، فأتألم لذلك لأضعاف، فلا اليد بها حيلة، ولا مشاهدتي تلك تفيدهم في شيء. يقولون:”غيري القناة، قلوبنا تقطعت.” وأغيرها وتظل تلك الصور في رؤوسنا، تضاف إلى خزينة الصور التي جمعناها على طول السنين. وبهذا الصدد أتمنى ألا نعتاد، ألا نعتاد على المشاهدة بمرور الصور مرور الكرام على أبصارنا، أتمنى ألا نعتاد على سماع الصرخات، ألا نعتاد على المشاهد تلك كمشاهد عادية، رأيناها مسبقًا مئات المرات. أتمنى أن تظل هذه المشاعر حية، أن نتألم لألمهم، ونصرخ لصراخهم. فالاعتياد هنا ضعف، والصمت خوف.

نحمد الله على مشاعر الحسرة والحزن والغضب ولو كانت مريرة قاسية، فهي الدليل على انسانيتنا، وعلى قدرتنا على التعاطف، وأن الشعور باقي، والأمل باقي، والضمير صاحي وحي.

وبقولي أن الاعتياد مرادفة للقوة، فهو قد يكون أيضًا مرادفة لموت الضمير، وإن كان لغزة مرادفات، فهي بالتأكيد مرادفة للثبات.

وحتى الاثنين القادم، إلى اللقاء يا أصدقاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top