الكتابة بعقل فارغ والتشبث بنجيب محفوظ

أجلس أمام شاشة الجهاز منذ ساعتين، لدي سلاحي السري بجانبي الأيمن، كوب من الشاي الساخن، تحديدًا شاي أحمد للفطور. وأما عن يساري فهاتفي الذي لم يساعدني في إيجاد فكرة للكتابة عنها، إلا أنني قررت أن أبدأ الكتابة بعقل فارغ، على أمل أن يمتلئ أثناء كتابة هذه التدوينة.

في معادلة الإبداع والإلهام والعمل، أتخذ جانب البدء أولًا، والتفكير لاحقًا. أكتب كلمة، أجدها تتضاعف بمرور الدقائق، إلى أن تصبح فقرات، وأنتهي بصفحات كثيرة لم أفكر بمحتواها عند كتابة كلمتي الأولى. لا أؤمن بانتظار الكلمة، ولا أؤمن بانتظار الفكرة، ابدأ العمل، وقم بتعديله ريثما يزورك الإلهام، وإن لم يزر الإلهام أبدًا، لا بأس، لديك نص على الأقل، لديك اللبنة الأولى، ولديك دائمًا الفرصة لنحتها.

*

قمت بمغامرة خطرة قبل يومين، ولا أعلم كيف لي أن أستطيع إخفاء معالم مغامرتي.

قبل أن أعقد قراني، ومنذ ذكرياتي الأولى في شراء الكتب، يقول الجميع بأنني سأنفق ثروتي جميعها على الكتب، ودائمًا ما أكون المضغة الأولى في حديثهم عن الإسراف. لكنهم في الحقيقة لا يعرفون التخطيط المسبق والحسابات والتنازلات التي أقوم بها لشراء الكتب. إلا أنني لا أدافع عن نفسي، بل أضحك على نفسي معهم، وأزيد كلامهم بقولي:”حتى إذا جاني المهر، بشتري فيه كتب.” والجميع يبدي امتعاضه من الفكرة لمجرد تخيلها، وبالرغم من أنني أقولها لمجرد الضحك، إلا أن والدتي لم تكن تضحك عليها، وكأنها ترى بحديثي هذا المستقبل، ولعلي بقولي ذاك، أصبحت الجملة حقيقة.

قرأت الشهر الماضي كتاب -أنا لا أخاف- للكاتب نيكولو أمانيتي، قرأتها في الكندل، وما أشد رغبتي الآن في شراءها، إلا أنني لم أجدها في أي مكان، بحثت عنها في أغلب المواقع ولكن بلا فائدة، المنتج دائمًا نافد. وفي بحثي عن الكتاب سقطت في براثن متجر وراقون، وقلت في نفسي هذه فرصة لأشتري قصة لأخي الأصغر، لأنني مللت من تكرار القصص الموجودة لدينا على مسامعه في كل ليلة. وبذلك، وجدت المسوغ لجريمتي الكبرى.

قبل البحث عن القصة، بحثت عن كتاب لأشتريه، ولكنني لم أجد ضالتي في الكتب المعروضة، هي موجودة لكنني لم أبحث عن عنوان بعينه، وآثرت التجوال بدون ضغوط. ووجدت ضالتي أخيرًا.. الأعمال الكاملة لنجيب محفوظ، عشرة مجلدات، وبخصم الجمعة البيضاء.

لدي عادة غريبة بعض الشيء، إلا أنها مفيدة. عند رغبتي في شراء أي شيء، وخصوصًا المشتريات مرتفعة السعر، أضعها في السلة وأذهب للنوم، وإذا وجدت أن رغبتي في الشراء لم تقل عن الأمس، فأنا سأشتري، وأحيانًا كثيرة أقوم بتعديل السلة، أو أحذفها كليًا، إلا أن هذه العادة لم تكن فعالة عند شرائي لمجموعة نجيب محفوظ، بل إنني اشتريتها قبل نومي، وشحن هاتفي عشرة في المئة، وهي من الموانع التي تؤجل علي أيضًا عملية الشراء، فلا أشتري أبدًا وشحن هاتفي يهدد بإيقاف العملية، إلا أن لا شيء أبدًا أوقفني عن شراءها، ولا أعلم ما السبب وراء ذلك. وضعت رأسي على المخدة بعد رسالة سحب المبلغ من البنك، وشعرت بأن رأسي يطير بين الغيوم.

استيقظت اليوم على رسالة قرب وصول الشحنة، ولا أعلم كيف لي أن أخفيها عن الجميع.

اشتريت عشرة مجلدات بدلًا من الكتاب الوحيد الذي بحثت عنه في الأساس، وبالطبع اشتريت القصة، التي أشعلت فيني رغبة الشراء في المقام الأول. ولكي أكون صادقة، الحصول على مؤلفات نجيب محفوظ كاملة هي واحدة من أمنياتي، لذلك لا أشعر بأي ندم تجاه مغامرتي هذه، وإنما بسعادة عارمة، وانتظر الصندوق الكرتوني الضخم على أحر من الجمر. وتتبقى أمنية الحصول على مؤلفات غازي القصيبي كاملة، وقد قطعت نصف المشوار بها، ولا أعلم متى سأكمل عملية جمعها، وهذا تلميح إلى زوجي ليعرف ما ينتظره.

**

وبكتابتي للأسطر في الأعلى، لم أفكر في جلوسي أبدًأ بأنني سأكتبها، ولم أنتظر الإلهام لكتابتها، إلا أنها صنعت نفسها، وهذا دليل ملموس على مدى واقعية وصحة مقدمة هذه التدوينة، وإذا أخبرتكم بشيء، يجب عليكم الاستماع لي.

وحتى أجد كتاب أنا لا أخاف بدون أي مجازفات شرائية ضخمة، إلى اللقاء يا أصدقاء.

*حاشية

أنا جادة فعلًا بخصوص بحثي عن كتاب أنا لا أخاف، أرجو أن تدلوني على أي مكان يبيع هذا الكتاب، بدون ذكر نيل وفرات، لأنني أخاف من الطلب منهم، بدون سبب معين. 🙂

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top