رسالة مرفقة مع عصير تفاح

رسمة استعنت بالذكاء الاصطناعي لتنفيذها

أشعر بجسمي يغوص في السرير، أمواج تلطمني وتحاول أخذي بعيدًا، أضغط زر الغفوة للمرة الخامسة، أحاول نسيان اليوم الذي ينتظرني. ككتاب لم تكتب نهايته بعد، يقلبون صفحاتي بسرعة، يتدربون على القراءة السريعة علي، وأظل مركونة في زاوية الغرفة، أتمنى أن يجيد أحد قراءتي، وأن يكتب نهايتي. لا أشترط نهاية سعيدة، وإنما نهاية مناسبة لكل المآسي التي مررت بها، ولكل الصعاب التي منعتني من أن أكون أنا، نهاية أستيقظ فيها من النوم بدون محاولات للنسيان.

استيقظت على صوت والدتي، تقول فيها بصوت حاد وكلمات ممطوطة:”قومي أبدأي الكيكة، لا تفشليننا عند أم محمد.” ولأنني لم أستوعب الواقع بعد، لم أرد عليها بأي كلمة، إلا أن الهجوم التالي لم يمهلني للتفكير بالرد، هجمت والدتي علي، نزعت الغطاء من على جسدي، وهدمت حصني الأخير. تقول مهددة إياي برفع كفيها في الهواء:”ترا ما لي شغل إن تأخرتي، وتراني ما راح أجي أقومك ثانية” وكفرخ أخذ من عشه، سحبت من ملجأي، وانفتح الباب على مصراعيه، جيش من الأطفال يدخل الغرفة، يتصفحون روايتي التي ابتدأتها في الليلة السابقة، يأكلون من مستودع حلوياتي، ويصورون أنفسهم بكاميرا آيبادي. نسيت أن اليوم الخميس، وهو موعد زيارة أخواتي للمنزل. لا تصف كلمة زيارة الوضع بالتحديد، وإنما هجوم، وأحيانًا هروب اضطراري، تهرب به إحدى أخواتي من مسؤولية الأمومة والزواج، وتلقي بها على عاتقي وعلى عاتق والدتنا، وبالنسبة لأمي، فغالبًا ما تهرب هروبًا اضطراريًا هي الأخرى.

أقوم بهش جيش الأطفال من غرفتي للخارج، يخرج بعضهم بشكولاته في فمه، وبعضهم بدموع على وجهه، وآخرين متشبثين في قدمي أو يدي، يمنعونني عن الحركة، ويطلبون بعضًا من الاهتمام الذي فقدوه. أبادلهم الأحضان والتعلق، أحيانًا بمشاعر، وأحيانًا أخرى كثيرة بدونها.

أتجه للمطبخ للبدء بالتحضير، لدي طلبان، كعكتان، واحدة لاحتفال ذكرى زواج لن تتطلب مني الكثير، وأخرى كعكة بدورين لجارتنا أم محمد، بمناسبة زيارة ابنتها التي تدرس في الخارج، سيتمتلئ منزلهم اليوم كما هو حال منزلنا، يتشاركون هم الكعك، ونتشارك نحن الحديث عنهم.

لا وقت لدي لأتناول أي شيء، أرتعش، ولا أستطيع التركيز، أعلم يقينًا بأنني في حاجة للقيام بتحاليل للتأكد من فيتاميناتي، إلا أنني لا أملك الوقت لهذا أيضًا. أجد عصير تفاح في الثلاجة، أشربه كاملًا بنفس واحد، أرمي علبته الزجاجية في القمامة لأتفاجئ بانكسارها. لا أؤمن بخزعبلات الرسائل والأدلة التي تحدد مجريات سير اليوم، ولكن انكسار الزجاجة في بداية يومي جعلني أستاء قليلًا.

بدأت في تحضير المكونات، قمت بخفق البيض وتجهيز القوالب وتسخين الفرن. وضعت القالب الأول لكعكة الزواج في الفرن، بينما أحضر لكعكة أم محمد التي طلبتها خصيصًا بنكهة القرفة. ولم تكن النكهة هي الشيء الوحيد الغريب في طلبها، وإنما حتى في وصفها للكعكة وتطلعاتها لها وتقول لي في رسالتها الصوتية:”أبيك الله يعافيك تخلينها بنكهة الدارسين، تعرفين إنها جاية من مكان عندهم خريف مو زي خريفنا، ولا ودي تنقطع عن المكان الي هي جت منه، وهي بعد أسبوعين راجعة، أبيها تعرف إننا مهتمين فيها، نبي كيكة الله يسعدك توضح الخريف وكذا أنتِ عاد أدرى.” ولا أعرف كيف لي أن أكون أدرى وهي بنفسها قالت بأننا لا نمتلك خريفًا كخريفهم، ولم تخبرني أصلاً عن المكان الذي جاءت منه ابنتها، الذي سيكون سرًا حتى تتخرج.

أرفقت أم محمد صورة مع رسالتها الصوتية، صورة كعكة من مدونة أمريكية، تعود الصورة إلى أعوام المنتديات ونشوء المدونات الشخصية، ولا أعلم إن كان تنفيذ الصورة على النهج القديم أفضل أم إدخال بعض من لمسات المستقبل عليها سيكون أفضل؟ وأغوص مجددًا في حيرة التدخل في طلب العميل أو إخلاء مسؤوليتي منه. بعد شوط كامل من التفكير جالسة على طاولة المطبخ، وسؤال موجه إلى والدتي انتهى بقولها:”وش دخلني، أنتِ أدرى” قررت تحضير الكعكة بنفس الألوان في الصورة، مع بعض التعديلات على الشكل الخارجي المتعلق بعجينة السكر.

انتهيت من الكعكة الأولى، كعكة على شكل قلب أبيض، بحواف حمراء على شكل ورود، وتاريخ ثلاثة نوفمبر في المنتصف. قمت بوضعها في صندوق شفاف وربطتها في شريطة حمراء، وعلى غطاء الصندوق وضعت باقة ورد حمراء هدية لأشارك في احتفال العميلة، وطلبًا لرضاها ولترشيحها لي لباقي صديقاتها المتزوجات والعانسات. صورتها لأقوم بمشاركة صورتها في حساب المتجر، لأنني لا أثق في تصوير العملاء، ولأن كثيرًا منهم لا يشاركني تصويره من الأساس. أرسلت الكعكة مع أخي، وعدت مجددًا للعمل على كعكة أم محمد.

عانيت للوصول لدرجة اللون البرتقالي التي طلبتها، وعانيت أكثر بقص عجينة السكر على شكل أوارق الخريف المتعارف عليها. انتهيت منها بعد الكثير من المحاولات والكثير من التأفف واللوم الذي أوجهه لوالدتي لطلبها من أم محمد ألا تتوجه لأي أحد سواي عند حاجتها لأي كعكة. غلفتها في صندوق شفاف، وربطتها في شريطة وصورتها، وأعلم يقينًا بأن أم محمد ستطلب مني حذف الصورة إن قمت بتحميلها، بحجة أنها لا تريد لأي أحد أن يعلم عن دراسة ابنتها حتى تنتهي منها، وهذا أمر أشبه بالمستحيل.

 

سقطت الكعكة.

 

لا أعلم كيف لأمر كهذا أن يحدث، فأنا حريصة كل الحرص على عملي، لا يدخل معي المطبخ أي شخص حتى انتهي، ولا يحمل الكعك غيري، وأنتهي من العمل على الطلبات بدون أن يراها أحد في معظم الأيام، أحرص على الخصوصية والنظافة كحرصي على التأكد من إخراج الجميع من غرفتي. إلا أن الكعكة سقطت، ولا مجال لإصلاحها أبدًا. علق رباط مئزري في الصحن الدوار بدون علمي، وفي ابتعادي عن الطاولة سقطت الكعكة، وما يزيدني غضبًا أنني أنا السبب، ولا يوجد من ألومه.

تدخل والدتي المطبخ وتشاهدني أرفع البقايا عن الأرض، تقول لي بصوت هادئ:”ترا أم محمد كنسلت الكيكة، رحلة بنتها تأجلت، وتقول تبيها بكرة، وأنا قلت لها إنك أصلًا ما سويتيها.”

*حاشية

أستعين بموقع يزودني بثلاث كلمات عشوائية، وتكمن مهمتي في كتابة قصة من هذه الثلاث كلمات. كانت الكلمات التي حددت زوايا هذه القصة (صفحات، عصير تفاح، جيش)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top