في مديح التوقف عن القراءة

يارب اني ما نزلت ذا الصورة قبل

قبل سفري لأي مكان، أحرص على تحميل على الأقل كتابين في الكندل، أو اختيار كتاب ورقي ذو حجم مناسب لحقيبتي اليومية، وذلك لاغتنام أي فرصة للقراءة، سواء كانت تلك الفرصة نتيجة الملل أو الانتظار أو حتى بسبب عدم مقدرتي على النوم في مكان جديد فور وصولي.

هذه المرة، في إجازة انتهاء الفصل الدراسي الأول، قمت بتحميل ما بعد الظلام لهاروكي موراكامي، وكتاب The Vegetarian للكاتبة Han Kang ، وقرأت الفصل الأول لما بعد الظلام في طريق السفر، ولم أمس الكتاب بعدها. أما بالنسبة للكتاب الآخر، فقد قمت بحذفه من الكندل، بسبب صيغته التي عجزت عن تكبير الخط فيها.

لم يكن عزفي عن القراءة اختيارًا بشكل كامل، وإنما فرضًا في أغلبه، فلقد كانت كل دقيقة من وقتي محجوزة مسبقًا، زرت أماكن لم يسبق لي زيارتها، واكتشفت زوايا من شخصيات رفقتي لم أعرف عنها شيئًا من قبل، وخضت نقاشات لم أخطط لخوضها، وأهمها أنني حظيت بحفلة مبيت امتدت لأيام، شرخت تلك السهرات صداقتنا بدلًا من أن تقويها، نظرًا لاستيقاظي المبكر دائمًا، واضطراري إلى إيقاظهم بطرق غير متعمدة لكيلا يصب الجميع جام غضبهم علي، ولا أنسى مضاربات دورة المياه، ومضاربات الأغطية، التي لم أسلم منها لا مستيقظة ولا نائمة. ومع هذه السلبيات التي كادت أن تكون أكثر من الإيجابيات، فلقد كانت ليالٍ لا تنسى.

لم تكن تلك المرة الأولى التي أتوقف بها عن القراءة لذات السبب، كثيرًا ما آخذ الكندل معي لأماكن عدة خوفًا من عقدة عدم اغتنام الفرصة للقراءة، إلا أنني أنسى وجوده كليًا، وأعيش اللحظة بكاملها، وحتى أنني أحيانًا كثيرة أنسى توثيقها.

لا أقول بأنني لم أحظَ بخمس دقائق أو عشرة للقراءة، بل حظيت بها وأكثر، إلا أنني اخترت التوقف عن القراءة، لا لشيء وإنما لأتشرّب اللحظات والأماكن، أردت بأن أستعمل كل حواسي في حفظ تلك اللحظات، وتلك الدقائق أصبحت دقائق للتأمل، تعيد شحني لعيش باقي اليوم. استغليت الدقائق التي كنت سأنفقها جريًا بين السطور على ملاحظة كل شيء من حولي، وتلك الخلايا التي تحاول ربط الأحداث بالكتاب ببعضها البعض، استغللتها بمحاولة ربط الوقائع أمامي.

بتوقفي عن القراءة أنصتُ أكثر، وشعرتُ أكثر، وخلقت محادثات كثيرة. ولا أقول بأنني سآخذ هذه التجربة كقاعدة، لأنني في هذه المرة كنت مع رفقة، ولو كنت لوحدي كنت بالتأكيد سأتأمل لعشرة دقائق أو لربع ساعة ثم سأشرع في القراءة، فلا غنى عنها. كنت في أوقات سابقة أشعر بالضيق لعدم قراءتي في أوقات كهذه، لأنني أحرص على صنع الذكريات في سفري وربطها بالكتب، وإن لم أستطع فعل ذلك أحزن بشدة، لكنني الآن أفرح، لأنني إن تركت القراءة، فأنا كنت بالتأكيد قضيت وقتًا ممتعًا، وهذا ما يعنيه السفر.

وبالمناسبة، أُخذت تمامًا ببداية رواية ما بعد الظلام، ولا أطيق صبرًا لإكمالها.

وحتى انتهائي من رواية ما بعد الظلام، وإيجادي لنسخة استطيع قراءتها من The Vegetarian إلى اللقاء يا أصدقاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top