قراءات شهر رجيع الأول

أعلم، يجب علي توضيح العنوان أولًا، لا ليس خطأً إملائيًا.

أستخدم التقويم الهجري في الجورنال الخاص بي، وقد مر على استخدامي للتقويم الهجري في الجورنال قرابة الأربع سنوات، ولم تكن هذه الأربع سنوات كافية لأحفظ الأشهر الهجرية، فما زلت أنساها. وعند إعدادي لصفحات الجورنال الخاصة بشهر ربيع الأول، قلت لنفسي :”إلى متى أرجع للتقويم عشان أعرف الأشهرالهجرية؟ أنا أعرفها أصلًا” وكتبت بخط عريض في الورقة الأولى في الدفتر -شهر رجب- ولم أنتبه لخطئي هذا إلا بعد انتهائي من كل الصفحات، فلا رجعة، وإنما رجيع. لم أستطع التفكير بأي حل للمشكلة سوى محاولة تغيير كلمة رجب إلى ربيع، والتي انتهت بنتيجة أقرب إلى مأساوية منها إلى حل، وانقلب الشهر من ربيع إلى رجيع، وهنا قراءات شهر رجيع، الشهر الماضي.

إذاعة الأغاني – عمر طاهر

بينما تجري الحياة.. ثمة أغنية ما تدور في الخلفية. بينما تدور أغنية ما.. ثمة حياة تجري في الخلفية.

قرأت هذا الكتاب بناء على توصية، أو بالأصح بإجبار متنكر على هيئة توصية، إلا أنني ممتنة للدكتاتورية المتمثلة بإرغامي على قراءة الكتب، فهي تفتح لي آفاقًا جديدة، وتعرفني على كتاب جدد، وإن لم يعجبني الكتاب فأستطيع بكل بساطة تركه. إلا أن إذاعة الأغاني أجبرتني على قراءتها بكلماتها بدون تدخل بشري آخر. قرأت لعمر طاهر كحل وحبهان، وأغرمت تمامًا بأسلوبه، وألهمني للكتابة. وأما في هذا الكتاب، أمتعني وكشف لي الوجه الآخر لعمر طاهر، قصصه الحقيقية، وألمه الدفين. كتب عن جروحه وآلامه بصيغة لا تنفّر ولا تحملّك ما لا تستطيع احتماله، لن تشعر بالثقل، وإنما بالسكينة. يكتب عن أفراحه وسعادته ويجعلك تبتسم في كل صفحة. قصص منوعة بين هذا وذاك، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأغاني، وتكاد لا تتذكر القصة بدون سماع الأغنية وراء كلماتها.

الشاعر لديه ما يقوله، والملحن لديه الطريقة التي يجب أن يقال بها، لكن لا أحد منهما يستطيع أن يطرق باب بيت أحدهم قائلًا لك رسالة، المطرب يفعل ذلك بسهولة، وهو صاحب فضل في أن يجعل صاحب البيت يقبل استلام الرسالة.

اختراع العزلة – بول أوستر

غرفنا هي السجون التي ندخلها طوعاً لنجد الحريّة.

هكذا ادرك ” أ” وهو يجلس في غرفته و يكتب كتاب الذاكرة ، بأن يتحدث عن نفسه و كأنَّه شخص آخر لكي يستطيع كتابة قصته . عليه أن يغيِّب نفسه كي يجدها في القصة . و هكذا فهو يقول ” أ ” في حين يقصد أن يقول أنا.

لا أجد الكلمات الكافية لأصف ما شعرت به أثناء قراءة هذا الكتاب.

يكتب بول عن والده، أو ما يتذكره عن والده. ينقب في منزل والده بعد رحيله عن أشباه ذكريات، عن أشياء قد يعول عليها في تذكره. يكتب بول عن طفولته، وتتفرع النصوص حتى يكتب عن طفولة والده، وكأنه يبحث عن لعذر يساعده على المغفرة، على فهم العزلة التي فرضها والده على نفسه.

يكتب أيضًا عن الكتابة والكلمات، والحرية، والمشاعر. أفهم انفجار الكلمات الذي ولدته صدمة وفاة والده، كلمات فاضت بدلًا من الدموع، كلمات أرادت الخروج منذ زمن، إلا أن عنق الزجاجة كان ضيقًا، منعها من الخروج، ولم تخرج الكلمات إلا بانكسار الزجاجة كاملة.

نص مكتوب بسلاسة شديدة، ورقة ممزوجة بحزن. تتابع للأفكار مثير بالرغم من كون الكلمات مكتوبة في وقت عسير ومحنة صعبة. وبين الأسطر، نجد الأمومة، الأبوة، الندم والعزلة.

أدرك أنه من المستحيل اقتحام عُزلة شخص آخر. إذا كان صحيحًا أننا نستطيع يومًا أن نعرف إنسانًا آخر، ولو بمقدار ضئيل، فهذا فقط بمقدار استعداده لأن يُعرف.

أنا قط الجزئين الأول والثاني – ناتسومي سوسيكي

ليس هناك شيء صعب الفهم مثل صعوبة فهم نفسية الانسان، فمثلًا أنا لا أعرف هل سيد المنزل الآن غاضب أو مسرور؟ هل يقرأ كتب الفلاسفة ليعرف طريق الوصول إلى الراحة النفسية؟ لا أستطيع أن أعرف هل لا يعبأ بالدنيا أم إنه يريد أن يكون جزءًا منها؟ هل يفقد أعصابه بسبب أشياء تافهة؟ هل هو منعزل في عالم آخر غير عالمنا؟

انتهيت من الجزء الأول وأنا عازمة على عدم قراءة الجزء الثاني، إلا أنني تحت تأثير إدمان الأدب الياباني، فقلت العوض ولا القطيعة، قرأت الجزء الثاني وكلي أمل بأن تتحسن القصة إلا أنها ساءت، والآن سأقرأ باقي السلسلة فقط لإكمالها. القصة تتمحور حول ملاحظات يلقيها قط عن البشر، وخصوصًا العائلة التي تؤويه. لا يملك القط اسمًا؛ لأنه مهمش وغير مرغوب، لا يحظى بقليل الاهتمام إلا من الأب الذي يملك المنزل، ومع أن الأب لم يولي القط اهتمامًا خاصًا، إلا أنه لا يمانع وجوده في المنزل، ويرفض طرده. وبالرغم من ذلك، فالقط لا يكف عن إبداء الملاحظات عن سيده. يمتلك سيد المنزل صديقين، وهنا يكمن الجزء الأكبر من مشكلتي، فأغلب أحاديثهم كانت حشوًا بغير فائدة تذكر، ومشكلتي الثانية التي تتساوى بالأهمية مع مشكلتي الأولى هي سوء الترجمة. ترجمة دار المحروسة سيئة للغاية، لا أتذكر بأنني قرأت ترجمة بهذا السوء مسبقًا. بعض الكلمات مترجمة ترجمة حرفية، ومئات الأخطاء الإملائية. قرأت تعليقًا على القودريدز يقول عن الجزء الثاني:”تحتاج القصة إلى المزيد من القطط” وهذا ما أوافقه تمامًا، فالقط في الجزء الثاني أصبح شبيهًا بالبشر، يقوم مقام الراوي فقط، ولا يعطي من شخصية القطط أي تلميح. الجزء الأول كان أكثر امتاعًا في بدايته لتواجد العديد من القطط، ولكن الآن بتدخل البشر أكثر فأكثر سرقت الأضواء عن القطط. ولكن ما يميز هذا الجزء هو حديث القط ومقارنته الدقيقة للبشر.وإن كان هذا الجزء جيدًا بالملاحظات الدقيقة، فالجزء الأول كان بعيدًا عنها، وكأن الكاتب يحاول بذلك سد ثغرات الجزء الأول، ونجح بذلك إلا أنه نسي الحضور القططي، وأتمنى ألا ينسى ذلك في الجزء الأخير من الثلاثية.

أشواك الورد – أجاثا كريستي

أعامل روايات أجاثا معاملة الوجبات الخفيفة، فأقرأها بين الكتب الدسمة والأجزاء العديدة، وكان نصيب هذا الشهر من وجبات أجاثا رواية أشواك الورد. فيها كل مقومات القصة البوليسية، تجري الاحداث بسرعة، والقاتل غير متوقع كالعادة. تبدأ القصة بالمحكمة، وحبيب يحاول بكل الطرق إثبات براءة حبيبته التي بقوله لم تنفذ جريمة القتل، بالرغم من أن كل الدلائل تشير إليها. أنصح بها لمن يريد قراءة قصة خفيفة وغير معهودة لأجاثا.

أنطون تشيخوف دفتر المذكرات واليوميات

عندما تحب، فيا للثروة التي تكتشفها في نفسك، وكمية الحنان واللطف، حتى أنك لا تصدق بأنك تعرف كيف تحب.

لا أقول بأنه ساعدني على اكتشاف شخصية أنطون تشيخوف كما هو مكتوب بالنبذة الخاصة بالكتاب، إلا أنه أعطاني تصورًا لأفكار الكاتب. شذرات أفكار كان من الممكن أن تحذف، وكان بالإمكان تقليل اهدار الورق إلى حوالي ١٠٠ ورقة لهذا الكتاب بدلًا من ٢٠٠.

أعطيه ٣ نجوم من ٥ للاقتباسات الكثيرة التي حددتها، وللقصص القصيرة التي امتعتني وحمستني لقراءة مجموعة قصصه التي امتلكها.

إذا كنت تريد أن تصبح متفائلًا وتفهم الحياة، فتوقف عن تصديق ما يقولونه ويكتبونه، وكن شاهد بنفسك وكن ملمًا به.

وهذه كانت قراءات الشهر الماضي، وحتى أكتب عن قراءاتي القادمة، إلى اللقاء يا أصدقاء.

*حاشية

كتاب أنطون تشيخوف دفتر المذكرات واليوميات فيه صور، إذا سنحت لكم الفرصة، لازم تشوفون الصور الموجودة فيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top