“أمي تحب الخزامى، وسمتني عليها”
هذا ما تخبره الفتاة أي شخص يسألها عن اسمها، تبتعد عن ذكر اللون، فهي تكره البنفسجي، وتكتفي بالقول أن إدمان والدتها للخزامى كان السبب.
ولدت خزامى في جو تملأه هذه النبتة، وضعت والدتها كل شيء باللون البنفسجي. مفرش السرير الذي تنام عليه الأم بعد ولادتها، ومفرش سرير طفلتها، كنب الغرفة، وتغليف الشكولاته، وقوارير الماء البنفسجية التي طلبتها من مدينة تبعد سبعمئة كيلومتر؛ ليكتمل حفل الاستقبال بنمط واحد، ألا وهو البنفسجي.
لم تكن خزامى طالبة مشهورة في المدرسة إلا بسبب أطقمها البنفسجية ليس إلا، الحذاء فالحقيبة وربطة الشعر، ولو كان المريول المدرسي بدون لون محدد، لكانت والدتها بالتأكيد ألبستها مريولًا بنفسجيًا. مستواها الدراسي متوسط، لم تكرّم قط من ضمن الأوائل، وكان تكريمها الوحيد بسبب مواظبتها على الحضور. وبالرغم من مستواها وقلة نشاطها، فالمعلمات يغرقنها بالاهتمام، يقرصن وجنتيها كل صباح، يستقبلنها بابتسامة، ويغفرن لها عدم حلها للواجب وعدم إحضارها للمريلة في حصة التدبير المنزلي. والدتها الوحيدة التي تمتلك عقارًا في المدينة، حصلت على عدد من الشقق بعد وفاة زوجها، تؤجرها وتستثمر أموالها في الكثير من الحقائب والولائم.
كبرت خزامى كأكبر كارهة للبنفسجي، وبعزم تام على أن تكون أشهر إيمو في المدينة. على العكس من البنفسجي الذي يعني الاعتدال، فهي بعيدة كل البعد عنه، تكره بحقد شديد، تحزن بدموع كشلالات، وتفرح بإسراف عظيم، وتعشق السواد.
وكما لو كانت خزامى مجرد بذرة في حوض صغير لدى والدتها، نمت لتصبح أطول من والدتها جسمًا ولسانًا، إلا أن لسانها لم يكن يخرج الكلمات كما تريد، فخجلها تعدى الحدود، ليمنعها حتى من رد السلام، لذلك اتخذت من الكتابة كسلاح للتعبير والدفاع وللبناء. تحلم بنشر روايتها الأولى، ولكن التردد يسقي جذورها، فتعيد كتابة الصفحة عشرات المرات، وتنشر نصوصًا قصيرة باسم مستعار على الانستقرام.
انخفض مستواها كثيرًا في الثانوية، لم تأبه إلا بالكتابة، تكتب على الطاولة الخضراء أفكار روايات، ويمتلئ درج الطاولة بالكتب، دفاتر كثيرة تملأها الملاحظات، ومخدة كرسي ممزقة تتماسك بخيط رفيع. إن لم يكن نشر الرواية قريبًا، ستعيش هي كبطلة رواية. تزوجت والدتها من رجل يوازيها الثروة، إلا أنه أكثر دهاء منها. يساعدها على إدارة أموالها، ويأكل بعضها. لم ترزق إلا بأخ واحد، ويتم إعداده من قبل أمها وزوجها ليكون المدير العام على أموالهما، فحتى هم، لا يرون أي مستقبل لها في أي مجال، لذلك تركوها لتكمل الثانوية ولتفعل ما تشاء بعدها.
تمضي خزامى أيامها بعد الاستسلام عن الجامعة في القراءة، والكثير منها، حتى أنها تكاد تنتشل من ذاكرة العائلة بسبب غيابها الدائم عن الاجتماعات. والسبب الرئيسي الذي يجعلها تتفادى الاجتماعات العائلية هو التعليقات الغير منتهية على هيئتها. تمتلك شعرًا ناعمًا قصيرًا، يبدو كأنه خوذة. ولو كانت أطالته، لبتأكيد أستطاعت القيام بإعلانات دابر أملا. كلما كان شعرها فوضويًا، كلما كانت أقرب للشخصية التي تتمناها. ترتدي الأسود دائمًا، تبتعد عن الفساتين، ولا تمتلك إلا فستانًا واحدًا كان الهدية الأخيرة من والدتها لتحاول كسبها إلى جانبها، وتلك المرة الألف التي تفشل والدتها بذلك. ترتدي السراويل السوداء الفضفاضة والقمصان السوداء الناعمة. ما إن تراها جدتها حتى تسمي، وبعد التسمية لابد من أن تقرص أذنها، مهددة مرة، ومازحة مرة أخرى، إلاأن خزامى لم تعتبر هذا مزاحًا قط.
لا تجيد خزامى الكثير من المهارات، وذكر ما لا تتقنه أسهل من ذكر ما تتقنه. لا تستطيع تقشير برتقالة، ولا استخدام المكنسة الكهربائية، وتجد أكل ثلاث وجبات باليوم مهمة بالغة الصعوبة ولا فائدة منها. ترى أن القيادة مهمة الرجال لذلك لم تتعلمها قط، وتؤمن بأن الاعتناء بحيوان أليف لا يعدو عن كونه جريمة. لا تستخدم حاسوبها إلا للكتابة، ولا تعرف القيام بأي شيء آخر من خلاله سوى استخدام قوقل للبحث عن معلومة ما. إلا أنها تستطيع القيام بالعمليات الحسابية في رأسها بسرعة فائقة، وتحفظ بسهولة، ولديها قدرة عجيبة على التكيف، تستطيع النوم في أي مكان، وتحت أي وضع. تستطيع وضع طلاء الأظافر بلا أية أخطاء، ولديها بشرة بيضاء صافية موحدة اللون، ولم تصب بحب الشباب، وتسطيع اكتشاف الفروق بين صورتين خلال ثوان. تتذكر أفراد العائلة جميعهم، ولديها في رأسها ملفات كاملة عن كل فرد منهم، تساعد والدتها في كثير من الأحيان على تذكر أسماء المواليد الجدد وأسماء الزوجات حديثات الانضمام لشجرة العائلة.
*
كان هذا النص محاكيًا لنص هاروكي موراكامي في رواية سبوتنيك الحبيبة التي أقرأها حاليًا، كتبت التدوينة بناء على مهمة استلهام الفكرة من الصفحة الثامنة والثلاثين من أقرب كتاب لدي. ولكي أكون صادقة مئة في المئة، فقد استهلمت النص من صفحتين وليست صفحة واحدة، حيث كانت بطلة الرواية تصف نفسها. وإن كان المطلوب مني في هذه المرة الاستلاهم من صفحة معينة من كتاب قريب، فلقد استلهمت الأجواء العامة والتفضيلات الخاصة بالشخصية الرئيسية المدعاة سوماير، وتعني البنفسجي باللغة اليابانية، إلى شخصية قريبة من بئيتي تدعى خزامى، لتشترك هي وشخصية هاروكي موراكامي بنفس معنى الاسم، والأمنيات، إلا أنهما من كونين متوازيين.
*
أعجبتني شخصية خزامى، وقد أستخدم هذا البناء وهذه الخلفية لقصة أخرى.
هنا النص الذي ألهمني وحاولت محاكاته.
