يضغط الهواء الأجسام في الغرفة، يلتصق الجميع بكراسيهم، برغبة أو بدون. يحاول أن أن يغيّر دفة الحديث، ولا ينفك الحديث أن يدور حول نفسه، النقطة ذاتها، والسؤال ذاته. وقد يكون سبب اجتماعهم معًا في الأساس إيجاد الإجابة لذلك السؤال العويص:”لماذا لم يواعد أي فتاة منذ عودته من الولايات المتحدة؟” وهو الذي يستطيع أن يربح بأي فتاة يشير لها بيده. ولكي يرتاح من كثرة التركيز عليه، يعترف بأنه وقع في الحب، وأن التي يحبها أكبر منه بخمسة عشر سنة، وهو خائف من الاعتراف لها، من أن يتعرض للرفض للمرة الأولى في حياته، ولكنه أثناء اعترافه هذا، تمسك الفتاة التي يشير لها بالحديث بيده من تحت الطاولة، فيتلعثم، وينسى اسمه. وقبل أن أعرف ما الذي جرى بعد هذه اللقطة، اسمع طرقًا على باب الغرفة.
الساعة الثانية صباحًا، وأنا الوحيدة التي لم تنم بعد، أشاهد مسلسلًا كوريًا رومنسيًا؛ محاولة بذلك سد الثغرة التي تخلفها المسلسلات والأفلام الحزينة والدرامية التي أشاهدها دائمًا. أتجه للباب الذي استمر الطرق عليه طوال تلك اللحظة الحاسمة، لأجد أخي فيصل الذي تخرج من الروضة حديثًا، ويقول:”سارة الشمس طوّلت ما قامت.” عندما كان فيصل في الثالثة أو الثانية، ولتبسيط الشروق والغروب عليه، أخبرته بأن الشمس والقمر يتناوبان بالظهور، ينامان ويستيقظان. لم أعلم بأن تلك الفكرة ستكبر معه، حتى مع فهمه الكامل لدوران الأرض وموقعها بالنسبة للشمس، ما زال المفهوم الأنسي مسيطرًا على أغلب الأفكار لديه. فالمكيفات تتعب من كثرة التشغيل، والسيارات البلاستيكية هي أيضًا تحتاج للنوم وخصوصًا للاستحمام. أخبرته بأن يعد حتى المئة لتستيقظ الشمس سريعًا، وأعلم يقينًا بأنه سيصل بالعد إلى ثلاثين وسينام. إلا أنه رفض العد، وقال:”لا اليوم الشمس ما راح تقوم.” وأقول له:”وش دراك؟” يرد سريعًا:”الشمس تكذب اليوم.” ولا أخفي بأنني شعرت بالرعب قليلًا لفكرة أنها قد لا تستيقظ فعلًا إلا أن أفكاري انصرفت لمنحنى آخر تمامًا بعد ثوان. قال فيصل مبتعدًا عن الشمس والكذب:”ما أقدر أنام من عبدالعزيز عشانه يطلع أصوات.” عبدالعزيز هو أيضًا تخرج في الأيام الماضية، وقد تظن يا عزيزي القارئ بأن ولدًا تخرج من الابتدائية لهو ولد جاد وفاهم ومستعد للمرحلة المتوسطة، ولد مسؤول وينحط على الجرح يبرى، فهو لم يعد بالابتدائي بعد الآن. لكن الأجيال تغيرت، والأفكار تبدلت، وولد تخرج من الابتدائية لهو تمامًا كمن أعاد دراستها مجددًا لكن بحقيبة من المصطلحات الكبيرة كالحرية، والاكتئاب والتنمر والجفاف العاطفي. فمنعي له من اللعب بالسوني للمذاكرة لهو تقييد مني لحريته كما يقول، وأنه سيصاب بالاكتئاب إن استمريت بالمراجعة له والإلحاح عليه بحل الواجبات التي ينتهي بنا الحال بأن أحلها أنا. يقول عبدالعزيز:”أبغى أتنفس مع فمي اليوم، كيفي.” وكان صوت تنفسه مع فمه هو ما يقصده فيصل بشكواه، وإن سألتم عن الحل، فلا يوجد حل. انتهى بي الأمر بتهديدهم، ورفع اصبعي السبابة في الهواء والحلف ثلاث مرات بأنني سأجلدهم إن سمعت صوتًا. يعود عبدالعزيز إلى التنفس مع أنفه، وينام فيصل بجانبه سريعًا، ولا أخفي بأنني شعرت بالانتصار وبمكانتي كأخت كبرى يكون رفعها لإصبعها السبابة تهديدًا حقيقيًا. لأنصف عبدالعزيز قبل انتقالي للفقرة التالية، سأقول بأنه بالرغم من استخدامه لمصطلحات فضفاضة وكبيرة، وبالرغم من اتخاذه للعناد كصديق مفضّل، إلا أنه يملك قلبًا كبيرًا، ويحرص على السلام في أغلب الأوقات، ودائمًا ما يضع راحة فيصل من الأولويات، ويجب أن أقول بأنني فخورة لكوني أختًا له، فهو لطيف وذكي وكافٍ خيره شره كما يقولون.
لدي صديقتان أتشارك معهن بذات التهديد الخاص بالاصبع السبابة، كلنا أخوات كبار، وكلنا نهدد ونسطّر ونتمنى أن نحكم سيطرتنا بالكامل على إخوتنا وعلى الغضب وعلى المنزل بالكامل. وفي إحدى المرات سألت:”هل تعتقدون شخصياتنا هي كذا؟ ولا أثّر علينا كوننا الخوات الكبار؟” واتفقنا على أننا نمتلك صفات معينة في شخصياتنا تطورت وصقلت؛ بسبب انتمائنا لطبقة الأخوات الكبار. واتفقنا أيضًا على أن الطبقة التي ننتمي إليها يشوبها الكثير من اللغط والفهم الخاطئ. فيقال أننا سريعات الغضب، ونكثر من الرفض، وكثيرات الحركة. لكننا وعلى العكس من ذلك، رقيقات، ونهدأ بسرعة، ونتمنى ألا نضطر للنهوض كل خمس ثوان لولا أن نهض اخوتنا بدلًا لنا، لكننا نعلم يقينًا بأنهم لا يملكون الخبرة الكافية التي ستجعلهم يقومون بأي شيء على النحو الصحيح، بدون أن ينكسر صحن، أو أن يتمزق ثوب. وكثيرًا، وأشدد على كثيرًا، نشعر بالندم على لحظات غضبنا المفاجئة، ونضحي دائمًا بصمت لأجل الجميع.
يارب يدخلون كل الأخوات الكبار الجنة.
وحتى الأسبوع القادم، وحتى يتصالح فيصل وعبدالعزيز على فكرة النوم معًا بدون جدال، إلى اللقاء يا أصدقاء.
استمتعت في اخر التدوينة لكنني أرى أن اولها غير مفهوم بشكل واضح لا ادري هل يوجد سوء بالكتابة ام لدي ضعف بالقدرات العقلية وعلى الأرجح انه التوقع الثاني
وأنا أرجّح التوقع الثاني بعد 🤪
حتى أخواني كان بينهم دائما صراع وقت النوم، على العكس منه أنا وأختي..
ربما الأولاد يحبو الاستفزاز 🥲
شكر لقلمك سارة
أنا وأختي بيننا سوالف لا تنتهي، بينما أخواني حروب لا تنتهي، وربما فعلًا الأولاد يحبو الاستفزاز😞.
شكرًا لقراءتك وتعليقك ❤️