لا يتوقف رأسي عن الدوران والتفكير والركض في كل الاتجاهات، أمسك لجامه أحيانًا وأحيانًا أخرى يفر مني هاربًا. وبموضوع كالزواج، لم يكن هنالك ميدان أفضل من هذا للعدو فيه. لحظات كثيرة قضيتها صامتة أحدق في السقف، أو في باب الغرفة المفتوح دائمًا، أفكر في شيء أو اللاشيء، في الزواج، وفي معياد نومي، في الانتقال للباحة، وفي اختيار القاعة، في فستاني حبيس المشغل، وفي الحضور. مع أنني مشيت في نفس الترتيب الذي وضعته، وأضع علامة صح على كل مهمة أقوم بها، وأنفق كما هو مخطط تمامًا، إلا أنني لا أتوقف عن التفكير، وعن تصعيد الأمور، وعن وضع الافتراضات وتخيل أسوء السنيريوهات. وكأن ذلك الكم الهائل من التفكير كله لم يرضِ عقلي تمامًا، فهو يمتلك أفكارًا خاصة به يعرضها علي أثناء نومي، ومن هذه الأفكار:
حلمت قبل الزواج بشهرين، أن يوم الزفاف قد حضر أخيرًا، وأننا على العكس مما قلناه، تجهزنا في المنزل، وفي الأصل كنا سنتجهز في القاعة. وفي اللحظة التي خرجت بها من المنزل تفاجأت بأننا سنذهب إلى القاعة بسيارتنا الهايلكس! لا تسيؤوا فهمي عزيزاتي وأعزائي القراء، فأنا أعتز بسيارتنا الهايلكس، وأعشقها. أعشقها بكل تفاصليها، بجلد كراسيها الأحمر، وبرائحتها الأشبه بالقرفة، إلا أنها ليست السيارة التي تحمل العروس للقاعة، وخصوصًا العروس بكامل أناقتها. وكأن ذلك لم يكن كافيًا، فكل أقاربنا كانوا لدى الباب، في الشارع، تحت الشمس، ينتظروننا لنخرج ليلحقوا بنا، فالفشيلة لم تكن خاصة، بل على العلن. لا لم تنتهي المصيبة هنا، بل أنني عندما اتجهت للباب لأركب في الأمام نهرني والدي، وقال أن ابن عمي الأكبر سيركب معنا، وسيركب في الأمام. وعند سماعي لتلك الجملة، قلت لوالدي:”خلاص بدق على محمد واركب معه للقاعة” نهرني والدي للمرة الثانية أمام الجميع، فكيف لي أن أركب مع زوجي عصرية يوم زواجنا؟ ركبت في المرتبة الثانية، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، فقبل أن أغلق الباب، ركب ابن عمتي الأصغر معنا في المرتبة الثانية، واضطررنا إلى أن ننحشر في المرتبة الثانية، مع فستاني العملاق الذي يخنقني. بوسط هذا كله، انفجرت بالبكاء، وكل المكياج الذي وضعته ذاب، وأصبح وجهي كشمعة ذائبة، وقبل أن تحدث مصيبة أخرى، استيقظت من النوم.
استيقظت بأنفاس متسارعة، وقلب هائج، وباحتمال آخر أزيده على قائمة هواجيسي، أن أذهب للقاعة بهايلكس. قصصت على والدي الحلم، تنبيهًا وفضفضة، فوالدي يعتز بهايلكسه أكثر مني، ولا أتذكر بأن نوع المناسبة كن الحائل بين استخدامنا للهايلكس من عدمه، فكل المناسبات الخاصة والعامة، في الحر والبرد، في المطر وفي الغبار، للزواجات والحفلات، للكشتات والتمشيات، كنا نركب الهايلكس فيها، ولا نركب الجيب إلا في حالات نادرة جدًا، وقصصت لوالدي حلمي، رجاء بأن يكون يوم الزفاف من الحالات النادرة أيضًا. لا أعلم إن كانت رسالتي هذه وتلميحاتي وجدت طريقها لوالدي وعشعشت في رأسه، أو أنه فعلًا وجد أنه من الأفضل ركوب الجيب هذه المرة، ففي يوم الزفاف، وبعد أن تجمعنا في الصالة نستعد للخروج من المنزل، قال والدي:”حملوا الأغراض بالجيب” فتنفست الصعداء.
انتهى يوم الزفاف بدون أن تتحقق أي مخاوف الحمدلله، ركبت الجيب، تسريحة شعري رائعة، وقد كان شعري مصدرًا للقلق للجميع، كونه قصيرًا، وبرأيهم أنه لا يمكنني أن أقوم بأي تسريحة. ولم يكن شعري موضوعًا هامًا بالنسبة لي، لأنني أؤمن أن كونه قصيرًا بحد ذاته تسريحة شعر رائعة، بدون أن أقوم بأي شيء فيه. لكنه بمرور الأيام، وبزيادة ركضي في مسارات القلق المختلفة، لم تتبق إلا تسريحة شعري لأقلق بها، فضممتها لمسارات القلق، كعرض اشتر واحد وواحد مجانًا، لن أترك شيئًا. بالإضافة للجيب وتسريحة شعري، كان يومًا ممتعًا، سريعًا شديد السرعة، ضحكت كثيرًا فيه، وصنعت الكثير من الذكريات، يوم لا ينسى.
حتى أجد طريقة أفضل للتعامل مع أفكاري الهائجة، وحتى الإثنين القادم، إلى اللقاء يا أصدقاء.
اكره انني افكر بأسوأ الاحتمالات دائما لكنني لا استطيع التوقف عنها أصبحت جزء مني حتى ولو كان الاحتمال ضعيف، اتوقع اننا نتشارك نفس المشكلة😓