العودة من عرس المشاريع

ابتدأت الرحلة في تمام الساعة الحادية عشر صباحًا، شعور أبابة لطيف، حماسة وترّقب واستعدادات، لم أكن استعد بالطبع، انشقت القربة ولم أتوقف عن السوالف حتى وصلنا الى المدينة الجامعية في المجمعة. فيّ الغزي خير رفيق للرحلة، زميلتي وخالة أبنائي كما اتفقنا اليوم على ذلك. صورنا مقاطع كثيرة معًا، تأملنا الشوارع، تحدثنا في الماضي والحاضر والمستقبل، وتمنيت لو كانت الوجهة الرياض لا المجمعة، لتطول المسافة، ويطول حديثي معها، والرحلة فعلًا تكمن في الرفيق لا الوجهة.

استقبلتنا المجمعة بهواء بارد كاد أن يحملني معه، وأشعة شمس رقيقة بفعل الغيوم. دخلنا للمبنى المقصود، أشبه بالعرس تمامًا، الجميع بكامل أناقتهم، رائحة قهوة وأوراق، أصوات نقاشات أعرفها، أعرف ما يدور حولي، خضت تلك المراحل جميعها، أشعر بهم، وأشعر بجهودهم وإنجازهم كما أشعر أنا نفسي بذلك. نتوجه لطاولتنا متجاوزين لدائرة في المنتصف تجعل السير في المعرض يدور في حلقات، فالجميع يدور في حلقة من الحوارات الغير منقطعة، والتجارب المثرية، والكثير والكثير من الأحلام.

تقودنا المشرفة ريم، تعاملنا كبناتها، تجذبني مع كمي بهدوء إن لاحظت تزاحمًا، وتحرص على تواجدنا معًا لنفيد بعضنا، وتخبرنا مرارًا بأن نحسن التصوير ونرسل كل شيء لها، وأعجبني تركيزها على أهدافها بتكرار طلبها هذا، فهي مطلوبة بتوثيق الرحلة. تصفنا المرشدة طابورًا وصفًا واحدًا أمام طاولة عرضنا، كطلاب مرحلة ابتدائية تمامًا، إلا أنني أعترف بأننا أصبحنا الركن الأبرز، تميزنا بعدد المشاريع المقدمة، وطابور المقصف المنظم.

لم أقدّم ما تدربت لأجله لضيق الوقت، وبذلك خسر رئيس جامعة المجمعة ثلاث نكت نويت رميها أثناء عرضي للمشروع، أو بالأصح خسر الجميع سماعها، لأنني لم أعرضها على أحد، حتى الذين شرحت لهم من الزوار لم يشملهم الستاند اب كوميدي، قد تكون شرهة أو انتقام أو كليهما. وقد تكون خيرة، فمن الممكن ألا تتفق أحاسيسنا الكوميدية وأمنع من كل العروس الأكاديمية.

لم توجد كراسي لاستخدامها، أو أشباه كراسي على الأقل، وبذلك استمرت فترة وقوفي لمدة الثلاث ساعات تقريبًا، وعندما أخبركم بأنني فقدت الإحساس بعصعصي لهذا اليوم فأنا أعنيها حقًا، جلست على كرسي الحافلة برحلة العودة ولم أستطع النهوض منه سوى بصعوبة، وحتى عندما استلقيت على سريري بعد عودتي لم يعد لي ذلك الشعور به، وحتى هذه اللحظة وبمرور عشر ساعات تخللتها غفوة، لم يعد كما عهدته، وأظنني سأستحم بالفكس قبل ذهابي للنوم.

رحلة تخطت التوقعات تمامًا، شعرت بأني جامعية أخيرًا بحضوري بمكان يعج بالبحوث، اطلعت على أفكار جديدة، ومنظور جديد. أيقنت بأن الفرص لا تتوقف، وأنها قريبة جدًا للمس، وقد تهطل بكثرة، لكنها لن تقترب ولن تهطل إن لم نعلن جاهزيتنا لها. شعرت بالحياة مجددًا بهذا التدفق الهائل من الطموح والأمل. تجدد إيماني بأن صنع الذكريات وعيش التجارب لا يقل أهمية عن الفوز. شعرت بامتنان شديد لدكتورتي التي رشحت بحثي بالمقام الأول، شعرت بالامتنان لوالدي لجعلي أشارك، شعرت بالامتنان للمشاركات أنفسهن لإثرائي بهذا الكم الضخم من التجارب، ممتنة للرعاية التي لاقيناها في المعرض، وأخيرًا أشعر بالامتنان لنفسي التي خرجت عن منطقة راحتها بجرأة ولو كانت مصطنعة، لأنها أصبحت حقيقية في النهاية.

يوم مرهق ولطيف بشكل لا ينسى.

وحتى يوم آخر يجعلني أكتب عنه تدوينتين، إلى اللقاء يا أصدقاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top