فطور في السرير ينقلب رأسًا على عقب

يعيشان في شقة مبنية حديثًا، لا زالت بعض المنافذ في الجدار بلا كهرباء، ولا زال العمل في الشقة التي التي تقع فوقهم مستمرًا. أصوات ارتطام وسحب، المثقاب في الجدار يعمل بلا توقف. رائحة الطلاء تنتشر في الطابق العلوي وتصل إليهم عن طريق النوافذ، وأحاديث متداخلة وضحكات مزعجة تصل عن طريق الجدارن نفسها، وأغاني بكلمات يجهلان معانيها. تنقطع المياه عن الحمامات بشكل متكرر، ويرد صاحب البناية بأنه إجراء تجريبي سيتوقف قريبًا. تكاد لياليهم كلها تكون بلا نوم، إلا أن أيام الإجازة التي يحصل عليها العمال كثيرة، وقد تكون تلك حسنة وسيئة في نفس الوقت. 

يغيب زوجها عن الشقة لأوقات طويلة، وقد يمتد عمله لأيام متواصلة، يعود للشقة مرهقًا، بينما تريد هي الكثير. تمسك في نفسها وحدتها، وتضع رغباتها في صندوق وتحكم إغلاقه. استسلمت هي عن محاولات إصلاح الوضع، واستسلم هو عن محاولات البحث عن الخطأ وعن النقطة التي بدأت زوجته فيها بالتحول. يدخل المنزل بدون أي استقبال، يضع حقيبته بجانب الباب في اللحظة التي يدخل بها. غداءه في صحن على طاولة الطعام، يتناوله وحده بينما تأخذ زوجته غفوة العصر. يشرب القهوة في المساء، بينما تركت زوجته الكافيين، يأكل البرقر كعشاء، وزوجته قررت أن تبدأ بالأكل الصحي. 

بالرغم من محاولات الزوجة المستميتة لطلب الانتباه تارة، وللعقاب تارة، لم ينفع أيًا منها. تمارس الصمت العقابي لأيام، وعندما لم يأتِ بنتيجة قررت أن تكون على العكس مما يتوقع منها، الكثير من الوجبات المحترقة، والكثير من الملابس الغير مغسولة. ترد على الكلمة منه بعشر كلمات. الحر يثير حنقها، وتلقي باللوم على زوجها، هو من اختار شقة بنوافذ كبيرة، وهو من اختار أجهزة التكييف الرديئة، وهو بالطبع من اختار أن يتزوج. 

تسكن الزوجة في سناب تشات وتيكتوك، لم يسلم منها أي مشهور، ذكر أو أنثى، أجنبي أو عربي، تتابع الجميع بلا استثناء، سواء كانت تفهم اللغة التي يتحدثون بها أم لا. وتشترك الزوجة في العديد من النشرات البريدية، تقرأ بعضها وتترك أغلبها. وفي إحدى النشرات التي تختص بالأفكار الزوجية والنصائح والخدع، اقترحت الكاتبة فكرة غريبة على الزوجة، لم تؤمن بها، ولكنها استمرت في قراءة المقالة. ولم ينتهِ الموضوع عند هذا الحد، وإنما استمرت تلك الفكرة بالظهور لها في كل مكان، على شكل مقاطع وتغريدات، رسائل مطولة في الواتساب ومنشورات على الانستقرام. 

*

تستيقظ الزوجة قبل آذان الفجر، تخرج صينية جديدة طلبتها مؤخرًا من أمازون، صينية بحواف ذهبية وسطحها مرآة كاملة. تقوم بتلميعها وتضع بها كأس مكتوب عليه:”Best Husband Ever” ، تعصر برتقالًا طبيعيًا وتملأ به الكأس. تقوم بإعداد شطيرة مرتديلا دسمة، وتحاول إسكات ضميرها الصحي بصنع الشطيرة بخبز أسمر. وأخيرًا، تقوم بتقطيع فواكة لصنع سلطة فواكة كتحلية بعد الفطور. الفراولة على شكل مثلثات أقرب منها إلى قلوب، ومكعبات البرتقال خسرت كل سوائلها أثناء التقطيع، والتفاح كأسهل فاكهة للتجهيز، قطعته في البداية، وبعد انتهاءها من كل شيء، تحول التفاح إلى قطع بنية تشبه أحجار الزينة في شكلها. إلا أنها غطت كل شيء بقطع البرتقال التي أنقذت السلطة. 

دخلت الغرفة، لم يستيقظ زوجها بعد. ألقت نظرة على الساعة، تبقت خمسة عشر دقيقة على استيقاظه. جلست على طرف السرير، تقوم بتعديل شعرها في المرآة أمامها، تضع مرطب شفاه، وتأكل علكة بالنعناع. تمر الدقائق ببطء شديد، تحاول تمضيتها بمشاهدة بث تيكتوك لأمرأة تعد الإفطار لأطفالها. انتهى البث ولم يستيقظ زوجها بعد، تتمشى من أمامه، تتنهد، تخرج من الغرفة وتعود إليها، إلا انه أشبه بتمثال، لا يتحرك، وصوت تنفسه غير مسموع. تقترب منه، تراقبه من زاوية علوية، تقترب منه أكثر فأكثر، لا يتحرك، تضع عينيها أمام عينيه، تكتم أنفاسها لتحاول أن تلاحظ أنفاسه، لكنها تفشل بذلك. تصوب نظراتها على عينيه، وبعد ثوانٍ قليلة، صرخت. 

فتح زوجها عينيه أمامها، عدّل من وضعيته واستلقى على ظهره، أخذ نفسًا عميقًا وقال بحواجب معقودة ويده اليسرى على جبته:”بسم الله الرحمن الرحيم، وش تبين عند وجهي!” ادّعت عدم سماعها لسؤاله، اتجهت لباب الغرفة بصمت، إلا أنها تذكرت الصينية التي تنتظرها في المطبخ، التفتت نحوه وقالت:”باالله لا تتحرك” اتجهت للمطبخ مسرعة، حملت الصينية، وكإجراء أخير، لمست الشطيرة. لم تتيبس بالرغم من وجودها مكشوفة بالمطبخ لبعض الوقت، إلا أنها باردة، رفعتها من الصحن وقامت بتخسينها بالمكيرويف. 

عادت للغرفة بالصينية، زوجها يحمل ثوبه بين يديه، غضبت بشدة وعينيها مصوبه نحوه:

“ما قلت لك لا تتحرك!” 

رد زوجها ورأسه في داخل الثوب:”وأنا وش دراني إنك بتصيرين الزوجة السنعة اليوم”

أخذت نفس عميق وقالت:”أرجع للسرير” 

:”ما أبي”

:”أرجع للسرير”

:”موب على كيفك”

:”وبعدين معك يعني”
:”غصب هو؟”

:”طيب هالمرة بس عشاني سويت الفطور وخلصت ومن الفجر وأنا اشتغل” 

يعود زوجها للسرير، يغلق أزرار الثوب بينما يراقب زوجته تتقدم نحوه، يتربع وينتظر زوجته. تضع زوجته الصينية أمامه، وتجلس بجانبه، مما يجعل كأس البرتقال يفقد توازنه، ينحني الكأس على الشطيرة، يمسكه الزوج بسرعة، يتخمر جزء من الشطيرة بالعصير. يتنهد الزوج، إلا أنه يحاول أكلها. وفي اللحظة التي مضغ في الزوج اللقمة الأولى، كانت المرتديلا حارة، يسأل زوجته عما إذا كانت قد وضعت شطة، إلا أنها تجيب بالنفي. يستمر بأكلها ويبتلعها بسرعة شديدة لئلا يشعر بحرقة المرتديلا. يأخذ الشوكة ليتناول السلطة، تسحب زوجته الشوكة منه بسرعة. ينظر لها باستغراب، تأخذ الشوكة وتغرزها بالتفاحة المتأكسدة، تضعها في فمه، يبتسم نصف ابتسامة، وتعطيه تفاحة أخرى. تحاول زوجته التغيير عن التفاح، تحاول القبض على قطعة برتقال، إلا أن قطع البرتقال التي فقدت بريقها وعصيرها صعبة الإمساك. تحاول الزوجة إمساك أي قطعة، إلا أن القطع كلها تتجنب الشوكة، تضغط بالشوكة على قطعة برتقال وحيدة في قاع الصحن المقعر، ومع الضغط المتواصل والضرب انقلب الصحن وهاجر مغادرًا الصينية، وهبط على ثوب الزوج. قفز الزوج ووقف، ثوبه يقطر من عصير بقايا الفواكهة، تسقط بعض قطع البرتقال عند أصابع قدمه، تهب زوجته للمساعدة، تحضر مناديل وتحاول مسح العصير الذي استحم به زوجها. يحاول زوجها كتم صرخة، ويقول:” لا إله إلا الله، لا بارك الله فيك” ترد زوجته:”الله أكبر عاد تراه ثوب، غيره عندك مليون ثوب غيره” يرد عليها:”هذا الثوب الوحيد اللي وديته المغسلة”. 

فكرتين عن“فطور في السرير ينقلب رأسًا على عقب”

  1. يا عمري الزوجة كسرت خاطري،لسان حالها “يا حياة الشقاء”
    يعجبني دائمًا طريقة وصفك سارة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top