مزرعة أو بالأصح مزيرعة -لأن المزروعات فيها تبلغ ربع المساحة فقط- يوجد بها عشرة أو خمس عشرة دجاجة، ثلاث بطات، وديك رومي أصبح فريسة لكلب المزرعة المجاورة لذلك لا أعلم إن كان يجب علي ذكره من ضمن عائلة حيوانات المزرعة أم لا، بالإضافة إلى قطيع من الغنم يبلغ تقريبًا خمس وعشرون رأسًا، وأخيرًا شبك من الحمام يصغر عليه مكان إقامته يومًا تلو الآخر، لا أعلم لما يخافون على نسلهم لتلك الدرجة، ففي كل مرة أطل عليهم من خلف الشبك الحديدي أجد عددًا هائلًا من الفراخ الجديدة الصلعاء.
تقع تلك المزرعة المقفرة من كل شيء ما عدا الحمام بعيدًا عن الداون تاون للزلفي، فعشرين دقيقة يعتبر سفرًا لسكان المحافظة. وكطفلة لا تجد ما يسليها غير الكلام، أقضي العشرين دقيقة كاملة بطرح الأسئلة، سواء كنت على علم بإجاباتها أو أردت توريط أبي بالبحث عن إجابات صحيحة وارتجال تبرير للإجابات الخاطئة، أو أسئلة وليدة اللحظة لا إجابات لها أصلًا، كالأسئلة المتعلقة بياسر القحطاني.
كان ياسر القحطاني شغلي الشاغل، ولطالما سيطر علي سؤال لم أقتنع بإجابة والدي له أبدًا، ألا وهو لأي فريق سيلعب ياسر القحطاني إن وقعت مباراة بين الهلال والسعودية؟ وبالطبع إن انتهى والدي النصراوي من إجابة هذا السؤال للمرة الألف أباغته بسؤال سبب اختيار ياسر للرقم عشرين، وعن سبب اختياره لاحتفالية كتلك، وأنهي مجموعة اسئلتي هذه بأسئلة بيولوجية كعمره وطوله ومقاس فردة حذاءه. وأظنني بذلك الوقت كنت بمثابة العقوبة لوالدي، لا أتوقف عن الكلام في سيارة هايلوكس بدون مكيف في عز الصيف، تهتز بفعل طريق غير متساوي، وبمقاعد ساخنة، إلى جانب أنني أحرض إخوتي لتشجيع الهلال، وأبالغ بمديح ياسر القحطاني بالرغم من عدم معرفتي أصلًا لكيفية نطق كلمة تسلل لأصل لقدرة تقييم اللعب ما إذا كان جيدًا أم سيئًا، وأظنني كنت أميل لتقاسيم وجهه أكثر من من لعبه إلا أن امتداح وجه ياسر كان سيؤدي بي إلى ذم كرة القدم الآن بدلًا من امتداحها أو إلى اعتزالي عن العالم وعيشي على جزيرة.
ما زلت حتى هذه اللحظة أجهل اللحظة التي يقع بها التسلل، ولا أعرف نظام احتساب النقاط في مبارات الذهاب والإياب، ولم أحفظ من أسماء اللاعبين سوى أسماء التشكيلة الأساسية بأسماء العوائل فقط بدون أسماءهم الأولى، وهذه المعلومة التي ستقرؤونها الآن علامة سوداء في سجلي كهلالية لكنني سأقولها لأخفف عنكم العبء إن كنت مثلي، فلم أعلم أن كنو يملك اسمًا أولًا، فطوال معرفتي به لم أشر به إلا بكنو فقط، ولم أعرف أن اسمه الأول يدعى محمد إلا قبل مدة قريبة.
بدأت بتشجيع الهلال لمجرد أن أكون ندًا لوالدي، أن نتنافس عند كل مباراة، وأن نضحك على لاعبيننا إن قاموا بخطئٍ ما، إلا أن تشجيعي في السنوات الماضية انقلب إلى انتماء بالخطأ، فلم أعد استطيع احتمال ضحك والدي على تمريراتنا الضائعة، أو على حلفه المتكرر بأن الحكام مدفوع لهم ليقوموا بدعم الهلال، وعلى دعواته المتكررة بشراء العشاء لنا عند خسارة الهلال. أصبح لدي الهلال أكثر من مجرد هم عند احتمالية لعبهم ضد المنتخب، وإنما جزء مني يحمل الكثير من الذكريات يجب علي الحفاظ عليها، جزء مني أعتز به.
لم أفكر قط بتشجيع أي نادي أجنبي، عساني أصلًا أستطيع احتمال الهلال وهمومه، لكنني مؤخرًا اهتّم بمانشستر سيتي، ليس لأكون ندًا هذه المرة، يكفيني أن أكون ندًا بالهلال، لكنني أهتّم بمعرفة نتائجه لأكون على الأقل بنفس الوجهة مع عائلتي.
في اللحظة التي توقفت فيها عن سؤالي عن ياسر بالسيارة، أيقنت بأنني عرفت الآن كل ما أستطيع أن أعرفه عنه، وبذلك أيضًا علمت بأن طريقي هذا أصبح بلا عودة، وبأنني تدبست بالهلال فعلًا، ولكنه بلا شك أفضل تدبيس.
وحتى يجد الهلال حلًا لمشكلته بالتعاقد مع لاعبين، أو حتى يتعاقد الهلال معي، أو إلى أن يتوقف والدي عن الحلف بأن الهلال يغش في كل مباراة، إلى اللقاء يا أصدقاء.