أجلس أمام الشاشة الآن لنصف ساعة، كتبت ثلاثة أسطر وحذفتها لأكتب أفضل منها، وهي فكرة خطرت لي أثناء كتابتي للأسطر المحذوفة. إلا أن الفكرة الأفضل تأخرت بالظهور، وتجمدت أنا أمام الشاشة لثلاثين دقيقة بانتظارها. وقلت بأنني سأكتب المقدمة كعملية استحضار لما نسيت، وسأملأ الجهة العلوية من الصفحة بمختلف الحلطمات حتى تشرّف فكرتي الأفضل. وبعد أن نجحت طريقتي بالاستحضار، وطلّت أمام عيني الفكرة المفقودة، اتضح أنها فكرة ليست بذلك التمّيز. لكن إن كان هنالك ما يجب الأشادة إليه هنا، أن طريقتي هذه بالاستحضار نجحت، وإن أردتم البحث عن أفكاركم الضائعة، جربوا الكتابة حولها.
في موضوع المفاجآت، أفاجئ نفسي تقريبًا بين يوم وآخر. ولا أقصد المفاجآت المادية، وإنما إنجازاتي الصغيرة اليومية. فتعريفي للإنجاز مختلف قليلًا عما هو متداول بين الأغلبية. في فجوة سابقة مررت بها بشعوري بالفراغ وانعدام القدرة على تمييز أحداث أيامي المتشابهة، قررت أن أضع عدسة أخرى أتابع بها مجريات يومي، أراقب لمساتي والأثر الذي أتركه بغير انتباه مني. ولاحظت أنني أنجز فعلًا بغير انتباه، وهو بالطبع ليس إنجازًا يكتب عنه في كل مكان، ولا يوثق في المقاطع ولا يبث في القنوات، لكنه يعطيني وزنًا، يدعمني، ويكسبني الخبرة. وأقصد بذلك مثلًا طبخ ورق العنب، وكما يعرف الجميع فهي ليست وصفة سهلة ويتم إعدادها بغمضة عين، وفي حالة كحالتي وإعدادي لعلبة كاملة كأول مرة، فأنا أعتبر ذلك إنجازًا. وأمثلة كتلك كثيرة، كتابة قصة كاملة في يوم واحد، النشر كل يوم اثنين، قضاء وقت بدون ملهيات مع عائلتي، التنظيف العميق، الرياضة، والاستيقاظ مبكرًا. وهي إنجازات لأنني في الخيار دائمًا إما بالقيام بها أو تركها، فهي ليست ضمن مهامي اليومية، ولم يجبرني أحد على فعلها.
أما عن آخر مرة فاجأت نفسي فيها فعلًا وبشكل حقيقي فهي قبل ستة أشهر تقريبًا، عندما نقلت كل بياناتي من هاتفي القديم إلى الجديد بدون أن أحفظ نسخة احتياطية للواتس أب. لم أتقصّد فعل ذلك، وإنما كانت بالخطأ. وكشخص لم يحذف أي محادثة منذ تحميله للواتس، توقعت أن أنهار، إلا أنني لم أفعل ذلك. بل لم أشعر بأي شيء إطلاقًأ، وإنما بملعقة صغيرة من السعادة لأنني أخيرًا بلا أي شيء لخسارته. ويجب أن أضيف هنا أنني لم أنقل إلا صور معدودة من ثلاثة عشر ألف صورة. وكانت المفاجأة بالنسبة لي أنني لم أعطِ الأمر اهتمامًا، ويجعلني ذلك أفكر بالكثير من الأشياء البسيطة التي أسلمها السيطرة للتحكم بمشاعري وهي لا تستحق ذلك.
باقتراب العيد وكثرة العروض والمنتجات الجديدة، أجدني أغرم بالكثير من القطع، سواء كانت ملابس أو حلي أو حقائب أو حتى خصومات على الكتب. لكنني فخورة بأنني لا أنصاع لهواي ورغبتي الشرائية بسهولة، فلدي القدرة على إمساك رغباتي بدون الانهيار على عدم تنفيذها. وآخر ما جذب انتباهي وأثار رغبتي بالشراء عباءة أنيقة وعلى ذوقي تمامًا، لكنني لن اشتريها كوني بالفعل أمتلك عبائتين جديدتين، ولا أحتاج لعباءة ثالثة أبدًا. لكنني سأدعو وسأكثف دعواتي أن تبقى تلك العباءة بالمخزون حتى تتسنى لي الفرصة لشراءها.
وآخر شيء أختم به هذه التدوينة هو قدرتي على التعايش مع عدم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي إثرانتهاء مدة استخدامها. وضعت قبل مدة قيودًا على مواقع التواصل، في الماضي كان لكل تطبيق ساعة و عشر دقائق من الاستخدام اليومي، لكنني حاليًا جمعتها كلها لساعة من الاستخدام. فإن استخدمت السناب تشات لمدة نصف ساعة، تبقى لاستخدامي لكل التطبيقات نصف ساعة فقط، فلم أفصل بينها كما كنت أفعل في السابق، فأصبح وقت استخدامها مشتركًا. وفي الحقيقة، قمت بها بالخطأ، لكنني وجدتها فعالة أكثر من كونها منفصلة عن بعضها البعض. وبذلك قننت استخدامي لها لأقصى حد، والجلسة الواحدة على أي برنامج أصبحت أحسبها بالثواني خوفًا من أن تنقضي مدة كل التطبيقات، وكثيرًا ما يحدث ذلك، خصوصًا في الأيام التي أتفاعل فيها على السناب تشات. وفي رمضان، يكثر استخدامي لها من بعد الساعة الثانية عشرة، كوني الوحيدة تقريبًا التي تبقى لذلك الوقت المتأخر في منزل يعج بالطلبة. فتنقضي مدة استخدامي على آذان الفجر، وأصبح من بعد الفطور غير قادرة على التواصل مع أي شخص حتى الثانية عشرة، وكنت أشعر بها بالبداية كأنني حبيسة، والعالم يدور ويدور وأنا ثابتة في مكاني، يمشي الجميع وأتشبث أنا في الأرض وحدي. لكنني فاجأت نفسي بأنني لا أهتم بحقيقة أن الجميع يعرف كل شيء قبلي، إن حدث شيء مهم فأنني بالتأكيد سأعرف عنه، ولو بعد منتصف الليل، لكنني لن أخسر شيئًا بانقضاء ساعات من الهدوء.
وبالحديث عن المفاجآت، أتمنى أن أتفاجئ بالفوز بإحدى مسابقات رمضان التي أشارك فيها، وحتى الاثنين القادم، إلى اللقاء يا أصدقاء.