قليلًا ما تجذب انتباهي مقابلات الفنانين من المغنين، فكل ما يدور فيها هو مدى حبهم لمعجبيهم وكيف اختاروا اسم اغنيتهم الأخيرة، لا جديد ولا مثير. ولكن تفاجئت بداية اليوم عند مطالعتي للصفحة الرئيسية لليوتيوب خاصتي مقابلة جديدة لأحد مغنيي المفضلين، مقابلة ذات عيار ثقيل تمتد لساعة كاملة تقريبًا، وهذا ما جعلني أتردد بإنفاق وقتي فيها، والحمدلله بأني فعلت.
لا يقوم كريستيان بمقابلات كثيرة، ولا تحديثات على مواقع التواصل، ولا أي شيء من هذا القبيل، لذلك اغتنمت الفرصة للاطلاع على آخر أخباره، والتي لم تكن سارّة كما توقعت.
ابتدأت المقابلة بنشأة كريستيان، وعن اختياراته وطريقه الغنائيّ، وتدرّجت حتى الحديث عن ألبومه الأخير، والذي بشكل صادم ولد بين تقلبات مزاجية لمريض ثنائي القطب. لم يتحدث كريستيان عن مرضه طيلة سنوات معرفتي به، وللمفاجأة فقط كانت أفضل أغاني ألبوماته مصنوعة أثناء معاناته.
يقول كريستيان ببداية حديثه عن مرضه بأنه اكتشفه في المرحلة المتوسطة، وخلال بحثي القصير فهذا المرض يستمر طوال الحياة، ويتم التعامل معه عن طريق الأدوية والعلاجات النفسية، وإما أن يكون وراثيًا أو أن يبدأ بعد صدمة نفسية، عافانا الله وإياكم منها جميعًا. وأما بالنسبة إليه فقد كان العامل وراثيًا، ويقول أيضًا بأنه سابقًا يستطيع الإحساس بتغيّر حالته الطبيعية إلى حالته الأخرى، فينطلق جاهدًا إلى منزله ويغلق على نفسه الأبواب إلى أن يعود طبيعيًا مرة أخرى، ويقول بأنه ممتن بأن الأذى الذي قد يقوم به لا يعود إلا على نفسه، ولا يفكر بإيذاء الآخرين. لكن ما يحزنني الآن هو تغير حالته إلى الأسوء، فهو لا يشعر الآن باقتراب تحول شخصيته، وإنما تتحول فجأة أثناء حديثه مع أصدقاءه، ما يدعوه للهرب إلى دوره المياه وإغلاق الباب على نفسه حتى يستطيع السيطرة عليها، فمريض ثنائي القطب يعاني من درجات مرتفعة من الهوس ومستويات منخفضة من الاكتئاب.
لا أعلم لما انقلبت التدوينة إلى نشرة إخبارية، لكن سأكمل بقولي بأنه خلال العمل على ألبومه لم يعمل عليه فترة عافيته، وإنما في فترة هوسه واكتئابه، ويقول بأنه تعدى الخط الأحمر الذي وضعه لنفسه بذلك الفعل، فالأغاني الناتجة عن ذلك ستكون حتمًا ذات طاقة مضطربة موحشة، وهو لا يريد أن يكون فنانًا من هذا النوع، لكن المثير بالموضوع بأن أنجح أغانيه، هي الأغاني التي عمل عليها في فتره معاناته.
يتحدث كريستيان بأن مرضه لا يأتي إلا مع الإبداع، فهو فرصة للنظر للأشياء بطريقه أخرى، وقد يكون العمل على الموسيقى فرصة لإظهار العديد من الأفكار الإبداعية، وقد تكون أيضًا فرصة لإفراغ الطاقة التي تسيطر عليه. -أعجبني كلامه هنا يستاهل صفقة- ألبومه الأول يقع في ثمانية أغاني، والثاني الذي أصدر حديثًا يقع في إثني عشر أغنية، وكل أغنية أفضل من الأخرى. وبعد حديثه عن بعض الأغاني التي صنعت أثناء مرضه، أعدت سماعها مجددًا، لا أعلم إن كانت هذه الهالة من الشجن وجدت مسبقًا أو أنني استمع لها للمرة الأولى الآن، لكنها فعلًا تختلف عن باقي الألبوم.
انتهت المقابلة بمقارنة بيني وبينه، وهذه هي أول خطوة أقوم بها بعد لقائي أو مشاهدتي لأي شخص أعجب به، تمنيت بعد المقابلة بأن يكون لي ظهور مميز كظهوره، وأسلوب خاص كأسلوبه، فهو يضع الوشوم على كامل جسده العلوي، وذو شعر رأس طويل أسود، وصوت هادئ متزن، ولديه قطع ملابس مميزة تصفه، ولون خاص يعبر عنه، تمنيت كل هذا، شخصية حاضرة، معروفة، لا تنسى. أما أنا فمتنوعة، لا يصفني لون معيّن، ولا أسلوب خاص، ولا حتى ذوق واضح في الملابس، وفي خضم مقارنتي هذه، تذكرت وجه القوة في صفاتي تلك، تنوعي يجعلني أكثر جذبًا، لا لون يمثلني لأنني الألوان جميعها-وهذا يفسر حبي للأبيض- وأسلوبي الذي أراه متغيرًا، فهو طريقي للحديث مع جميع الشخصيات، وذوقي المتنوع في الملابس لا ينم إلا عن إحساسي المتجدد بالمغامرة والتجريب. قنعت بتفسيري هذا، ولعلي أسكت نفسي حاليًا به، لكنه معقول.
جميعنا مميزين، وأحبابنا الذين نقارن أنفسنا معهم لم يظهروا إلا جوانبهم المضيئة، وأحيانًا بعد تدريبٍ مضني لذلك، ومن المفترض بأن أخبر نفسي بذلك أولًا قبل أن أخبركم، لكن فالتأخذوها مني كتذكير :).
وحتى تدوينة أخرى أكثر عقلانية، إلى اللقاء يا أصدقاء.
*حاشية
أشعر بأن هذه التدوينة هي حديثي النفسي أثناء مشاهدتي للمقابلة، لكنها حديث نفسي منشور ههههه، أتمنى استمتاعكم بها حتى ولو كانت كذلك.
*كريستيان لا ينشر أغانيه باسمه هذا، وإنما باسم مسرحي آخر لا أود ذكره لكيلا تشاركوني فيه. sorry not sorry
*تذكرت رواية دكتور جيكل ومستر هايد أثناء حديث كريستيان، رواية قصيرة مسلية أشيد بها.