طلبت في تويتر الأسبوع الماضي اقتراحات عناوين لأكتب عنها، ووصلتني ثلاثة مواضيع في رسالة واحدة، ولم أعلم حينها عن كتابتي للتدوينة المئة، فكتبت عن موضوع مغاير تمامًا، وهي لخيرة بالطبع لأنني اليوم سأجمع ما بين الحديث عن التدوين لمئة يوم، والثلاثة عناوين المطروحة وهي سرعة الوقت والقلق الناتج عنها، والتسويف وأخيرًا الاستمتاع باللحظة.
عن التدوين لمئة يوم
السبب الرئيسي في استمراريتي بعد توفيق الله هو أنني لم أجعل الكتابة كشغف، وأعني بذلك أنني لم أنتظر الشغف لزيارتي لأكتب، بل أقضب أرضي كما تقول جدتي وأكتب بالرغم عن أنفي، ولا تكون الكتابة صعبة سوى في أول فقرة، وما أن أستوعب ما أكتب عنه في البداية حتى يتفجر شغفي لأنتهي بتدوينة طولها ألف كلمة، بالرغم من أنني جلست على المكتب بدون أي كلمة في رأسي وبدون أي نية للكتابة. ويمكنكم قياس هذه الحالة على أي شي، الصعوبة تكمن فقط في الجلوس وقضب الأرض. السبب الثاني والذي لا يقل أهمية عن الأول هو تحديدي لعدد التدوينات التي يجب علي كتابتها في الشهر الواحد، فلم أجعل الأمر عائدًا لمزاجي وعلى غزارة انتاجي، وإنما شيئًا محتمًا يجب علي إعداده. في البداية قلت في نفسي بأنني سأكتب باستمرار في المدونة وأنني لن أهجرها، ولكن بالعودة لأمنيتي تلك فهي بعيدة كل البعد عن التطبيق الفعلي، فهي تحتاج تفصيلًا لأستطيع تطبيقها على أرض الواقع، لأستطيع التخطيط لها وكتابتها على الورق. فقمت بتفصيلها وقلت سأكتب على الأقل تدوينة واحدة في كل شهر، قمت بتفصيل هدفي لهدف معقول أكثر وقلت سأكتب تدوينتين على الأقل ، ولكن هل سيكون ترتيب وقتي لكتابة تدوينتين سهلًا بدون أي نظام؟ ماذا لو كتبت التدوينة الأولى في اليوم التاسع والعشرين من الشهر هل سأكتب التدوينة الثانية في اليوم الثلاثين؟ احتجت إلى تفصيل منظم آخر. وأخيرًا رسيت على تدوينة في كل يوم اثنين، وبذلك يتحقق هدفي بوجود خط تسليم نهائي، لا تتعرض مدونتي للهجران ولا أتعرض لفوضى كتابة في الوقت البدل ضائع.
لم تكن الكتابة سهلة مع ذلك، فمشكلة قضب الأرض لم تكن المشكلة الوحيدة، وإنما خلو رأسي من الأفكار، والقراءات القليلة، والوقت المتسرّب، الذي ما أن أحاول أكتب فيه حتى يسرق مني في شيء آخر، وحتى اختيار صورة للتدوينة مهمة ثقيلة جدًا، والأثقل منها الانتقادات. ومع ذلك، حاولت امتلاك اذنًا من طين واذنًا من عجين، كتبت بالرغم من علمي بأن لا أحدًا يفهم قصتي، ولا أحد مهتم بقراءتها، فأكتبها وأعلن عنها، شعور الانتصار بأنني نفذت ما وضعته قاعدة لنفسي لا يضاهيه شعور، بالرغم من كل السلبيات السابقة، لا يوجد أفضل من أن تكون في سباق مع نفسك فقط، أن تكتب نصًا أفضل من نصك السابق، أن تكون القراءات أكثر من سابقتها، وأن تكون أفكارك في تطور دائم يذهلك قبل أن يذهل غيرك.
أما عن الكواليس، فبعض القصص تحتوي أجزاًء حقيقية بالكامل وبعضها خيالي بالكامل. نمت لدي عادة غريبة بعض الشيء، ألا وهي أثناء حديثي مع أي أحد، وفي حديثنا ما يستحق التخليد، أتوقف لثوانٍ معدودة لصياغته بالفصحى في عقلي لأستطيع كتابته في تدوينة، وأحيانًا أخرج هاتفي لكتابة الفكرة قبل أن أنساها. والمضحك حول مدونتي هو أنني لم أنوي في البداية الإعلان عنها في أي مكان، واكتفيت بتويتر لنشر بعض التدوينات، إلا أن القربة انشقت في لحظة من اللحظات وأصبح الموضوع جديًا بشكل مفاجئ، والحمدلله على ذلك.
عن التسويف وسرعة الوقت والاستمتاع باللحظة
كأي كائن بشري فإنني استمتع بالتسويف، ومع كتابتي بشكل منتظم في المدونة إلا أنني أهملت كثيرًا، ولإهمالي هذا شعرت بسرعة الوقت، وبأنني بغمضة عين سأخسر كل شيء، مما جعلني لا أستمتع بأي لحظة. نتيجة لهذا فالمعادلة سهلة جدًا، العمل أول بأول يعطي الشعور بالإنجاز ويعطي الشعور ببركة الوقت، مما يجعلنا نستمتع باللحظات القادمة.
وأما عن مشكلة مرور اللحظات والمواقف بدون الشعور بها فحلها الأمثل يكمن بالتأمل. يجب على الكل وهذا نداء من مدونتي المتواضعة ومن شخصي البسيط أن نقتطف دقائق معدودة من يومنا لممارسة التأمل، إما في الكتابة، أو ممارسة التمارين بدون مؤثرات صوتية أو بصرية، أو حتى الجلوس بسكون لعشر دقائق في التفكير لا غير. تعزز هذه اللحظات استشعار النعم، والتحرر المؤقت من سطوة العالم المتسرّع، فرصة للعيش ببطء للبحث عن مجرى السباق، ويعودنا هذا التصرف على استشعار كل اللحظات.
القلق مشكلة أعاني منها باستمرار، منذ ولادتي بدون مبالغة، او بمبالغة بسيطة، ولكن ما خففها علي هي كتابة كل أفكاري القلقة في مذكراتي، مع الحرص على تحليلها والحرص على معرفة سببها، و كتابة ما يجعلني انتصر على التفكير فيها كنقاط أشطبها بعد انتهائي منها. فمثلًا قلقي الزائذ المبالغ به من أي عرض تقديمي أؤديه بالجامعة سابقًا بالرغم من تمرسي في ذلك، فلم أحصل قط في كل مراحلي الدراسية على أقل من الدرجة الكاملة في الشرح، ومع ذلك فيأكلني القلق أكلًا، وأحاربه بالعمل المباشر، فما أن أعلم بوجود عرض تقديمي أهرع على العمل عليه، وبعدها أكتب مخاوفي وأسبابها وحلولها في مذكراتي، وأخيرًا أضع الحلول في قائمة مهام وأحرص على عملها، وبذلك أنقذ نفسي بشكل كبير من قلق غير مبرر ومهلك في ألف فكرة وفكرة.
بالنهاية، أذكر نفسي دائمًا بأن ما أتخيله هو ما سيحصل فعلًا، فأحرص على تخيل أفضل النتائج، وأذكر نفسي أيضًا حتى ولو حدث عكس ما أتخيل فهذه فرصة مثالية للكتابة عنها بتدوينة -امزح بالطبع أو ممكن ما أمزح- أو بالأصح فرصة مثالية للتعلم منها.
وحتى تدوينة أخرى لا تنطوي على نصائح أرتدي بها قبعة الخبيرة، إلى اللقاء يا أصدقاء