أشاهد برنامجًا لمجموعة من الشباب في رحلة سياحية في إيطاليا، ومن الطريف مشاهدة اكتشافاتهم في أنفسهم وردود فعلهم التي لاحظوها للمرة الأولى أثناء سفرهم، كقدرتهم على السفر بدون حقيبة سفر، وإنما اشتروا كل حاجياتهم من محلات الهدايا الرخيصة المتناثرة في المدينة، التيشرتات التي تحمل صورة الموناليزا، والأحذية البلاستيكية المصنوعة محليًا، والحقائب القماشية التي تحمل عبارة “أحب إيطاليا”. اكتشفوا أيضًا قدرتهم على النوم والاستيقاظ في أي وقت في رحلتهم تلك، فالأهم هو الخروج والاستمتاع وترك ساعات النوم الطويلة عند عودتهم للوطن، وكأنهم يتعرفون على أنفسهم للمرة الأولى. وأما عن اكتشافهم الأخطر، فأحدهم لم يرفع رأسه أبدًا لمشاهدة النجوم، ولم تتسن له الفرصة ليتأملها إلا في تلك السفرة. وأظن بأن القدرة السحرية التي يحتاجها عالمنا لهي زر خفي نستطيع ضغطه ليفصلنا عن واقع العيش، لواقعنا الحقيقي، للأشياء من حولنا، الماء والهواء والطيور والنجوم. فالشخص الذي أتحدث عنه هنا، منتج أغاني مشهور، يقضي أغلب أوقاته في الاستديو، يخرج من الاستديو للمنزل ويعود من المنزل له، وينام في الاستديو أحيانًا، مما يجعلني أفكر بعملية الإلهام والتفكير الخاصة به، إن لم يكن يجرب ويعيش ويستمع للأصوات الحقيقية للحياة، فكيف له أن ينتعش ويجدد من أفكاره؟ إلا أن هذا الفعل يدعم فرضية الإلهام الذي يصنع من ذات الشخص، وأن الإلهام لا ينتظر وإنما يصنع، وقد تكون العادات هي التي تخلق الإلهام. قد تكون حاله هكذا، وقد يكون عبقري لا يحتاج مننا إلى محاولة لتفسيره وفهمه.
كانوا مثقفين، لا شك في ذلك، وكانوا يعملون على إعادة تشكيل العالم. لم يكونوا من زوار المتاحف، كانوا متجذرين في الحياة الحقيقية.
أقرأ كتاب -والله إن هذه الحكاية لحكايتي- واستوقفني الاقتباس في الأعلى. وصف الكاتب المثقفين بأنهم من عاشوا في الحياة الحقيقية، لم يغادروا الواقع، وعاشوا في اللحظة. لم يحبسوا أنفسهم في غرف مغلقة وبدون شبابيك، بل خرجوا للطرقات، ضحكوا وتعاركوا وتحدثوا ونظروا للسماء.
في ظل حياتنا السريعة، وأهدافنا المتغيرة، ننسى أبسط الأشياء، وقد تختفي تمامًا عن مدى رؤيتنا، كمشهد لعب الأطفال في الحدائق العامة. أعشق رؤية الأطفال يلعبون، وأستطيع قضاء دقائق وساعات متأملة هذا المشهد. رقص الأشجار ليلًا مع الهواء البارد، السير العسكري لمجموعة من النمل، لحظة الشروق بعد صلاة الفجر ورائحة الهواء المنعش، واللحظة التي يسكن فيها كل شيء وتلمع النجوم في السماء. لحظات تشترى، وقد نحتاج لزر ليعيدنا إليها.
أنسى كثيرًا الخروج من المنزل، ولا تتعدى مناطق زيارتي اليومية سوى المطبخ والصالة وغرفتي، ولا أنسى ذكر غرف إخوتي لإيقاظهم من النوم. ولكن من يسحبني دائمًا للخارج والدتي، تدعوني لمشاهدة وردة جديدة تفتحت حديثًا، أو حتى لمشاهدة حركة غبية قامت الدجاجات بها، وأحيانًا لا هذه ولا هذه وتقول بلهجة مؤنبة:”اطلعي للحوش، ترا لك يومين ما طلعتي.” وبهذا تكون والدتي هي القدرة السحرية الخاصة بي لأعيش في اللحظة، لأعيش في الواقع. وهو لو بكل بيت فيه نورة كان الكل بخير، لكن لا توجد سوى نورة واحدة، وهي والدتي ومنقذتي من العيش تحت ركام الهموم اليومية التي لا تنتهي، لذلك أشجعكم على إيجاد المنقذ الخاص بكم، من يذكركم على أن تشاهدوا الشروق، وأن الجو مناسب لشرب كأس من الشاي في الخارج، ولو كان ذلك منبه الجوال.
وحتى الاثنين القادم، وحتى أيام مليئة بأحداث سحرية ملهمة، إلى اللقاء يا أصدقاء.
الإنتباه لما حولنا و حضورنا في محيطنا و في اللحظة الجميلة التي نعيشها هي فعلاً “مهارة” افتقدناها كثيراً في حياتنا مع الأجهزة و التركيز على الإنجاز و العمل! فقدنا الإستمتاع بالتجارب و الطبيعة و حتى بلحظاتنا الجميلة مع من نحب!
الله يخلي لكم الوالدة نورة يا رب اللي تحاول تنعشك و تعيشك جمال الحياة!
مقالة جميلة يا سارة استمتعت و انا اقرأ !
يارب اميين ويخلي لك احبابك 🤍، ممتنة لكلماتك اللطيفة 🫶🏻