أشجع شيء قد يفعله انسان

قد يتبادر إلى أي شخص بأن أشجع شيء قد يقوم به أي انسان أن يقدم روحه، أن يقدم روحه لوطنه، لدينه، أن يحمي أحبابه ويفديهم بحياته. إلا أن ما تبادر إلى ذهني شيء مختلف تمامًا، وأظن بأن أشجع شيء قد يقوم به أي انسان أن يقول لا، وأن يحوّل الرسائل من محادثة إلى أخرى.

وتنقسم مسألة الرفض بلا إلى جزئين، الأولى المقدرة على الرفض في حالة الضغط، ويأخذ كثير من الناس دروسًا ودورات ويقرؤون كتبًا ليستطعون رفض الطلبات التي تأتيهم على صورة تقديم خدمات ومساعدة. والثانية في رفض طلبات الزوجة والأبناء والأصدقاء بحجة انتظار الراتب أو التوقيت أو عدم المقدرة بأي حال من الأحوال. 

لم أجد الشجاعة لقول لا إلا في منتصف مرحلة الدراسة الجامعية، كنت أعطي الجميع تحديد الدروس، وأشرح للجميع ما يستصعبونه من الأفكار، والتي ينجحون بحلها في الاختبار وأفشل فيها أنا، وتلك مشكلة أخرى أعاني منها منذ المرحلة الثانوية، ولا تتعلق بكلمة لا، وإنما في التفكير الزائد الذي أعطيه للسؤال. بقيت على تلك الحال لمدة طويلة، أعطي وأعطي وأعطي على حساب نفسي، لا أجد الوقت الكافي للمراجعة ولا الحفظ بحجة التأكد من فهم إحدى الزميلات. ولا أنسى هاتفي الذي يمتلئ خلال فترة الاختبارات بصور الحلول والواجبات. إلا أنني في منتصف تلك المرحلة، عزمت على أخذ +أ في واحدة من المواد التي لا تتسم بالسهولة. والتي صادف أن يكون فيها العمل بالكامل على الطالبة وحدها، فالدكتورة لا تقوم بالتحديد أبدًا، ولا تسجل المحاضرات ولا تعطي الملخصات، فكان العمل على النجاة في هذه المادة عمل فردي بشكل كامل. وكنت أقوم بكتابة الملاحظات أثناء المحاضرة، وأقوم بتحديد النقاط المهمة، وهي المادة الوحيدة التي أحضّر لها قبل بدء المحاضرة. وقبل الاختبار النهائي لهذه المادة بقاربة اليومين، وصلتني رسالة من زميلة لم يكن بيني وبينها أي معرفة، حتى أنني لا أعرف اسمها، وطلبت مني تحديد المادة بالكامل، ولم تكن حجتها إلا أن المادة صعبة وأنها لا تفقه فيها الكثير. رفضت طلبها وكانت تلك المرة الأولى في حياتي الدراسية التي أقول فيها لا، ولم تكن تلك المرة الأخيرة. واتضح أن الأمر لا يتطلب إلا أن تقولها مرة واحدة فقط، لتستطيع قولها مرارًا. رفضت العديد من الاستغاثات الكاذبة، وضعت نفسي أولًا، ووازنت بين ما أريد أنا فعلًا عمله ومن يستحق أن يأخذ مني وقتي ومالي وجهدي. بالرغم من أنني لا زلت أملك بعض الأشخاص الذين لا أستطيع قول لا لهم أبدًا، إلا أنني أفعل ذلك برغبة مني وحب وبغير إجبار، وأظنها طريقة من إحدى الطرق للتعبير عن الحب. 

ومع أنني أشجع الرفض في الفقرة السابقة، إلا أنني أجد رفض طلباتي إجحاف في حقي، وأن أي -لا- تصدر في حقي من شأنها أن تقيم حروبًا. لا أعلم من أين أو كيف وصلت إلى هذه المرحلة من الانزعاج من رفض طلباتي، إلا أنني أعلم يقينًا أنني فعلًا لا أستاهل كلمة لا J. قليلة هي طلباتي، وأفكر فيها مليًا قبل البوح بها، وأخطط لها لأشهر، فعندما أفصح عنها فعلًا فأنا حينها قد حسبت كل شيء من أجلها، فبعد تلقي الرفض أجد صعوبة في تقبل أن جهدي هذا كله قد رفض. بالإضافة إلى أنني أستسلم سريعًا بعد الرفض، أمتلك كبريائًا بغيضًا، يجعلني أفصح عن رغبتي مرة واحدة، وأستسلم عن الدفاع عنها وإثباتها. ومع كبرياء ككبريائي ورغبات قليلة كرغباتي فأنا أجد أنه من الشجاعة أن يقول لي أي شخص لا. أو قد لا تكون تلك شجاعة بالمعنى الإيجابي. 

وأما بالنسبة إلى ثاني أشجع شيء تبادر إلى ذهني وهو تحويل الرسائل والصور. أكره أن أقوم بتحويل أي رسالة لأي شخص؛ أخاف من تحويلها لنفس مرسلها، مع أنني لم أقع بهذا المأزق من قبل، إلا أنني أخشاه بشدة، وأراه من عدم احترامي للشخص مهما كان ومهما فعل، وأكره أن يفعل فيني نفس الشيء، لذلك لم أقم بتحويل أي رسالة في حياتي، وإن اضطررت للحديث عن محادثة لأي شخص فأنا أعيد ما قاله الشخص بدون تحويل رسائله، خصوصًا الصوتية منها. وقد تكون صديقتي سديم هي أشجع شخص بهذا الخصوص تحديدًا، بل وبقمة القوة، حيث لم تحوّل لي الرسائل فقط، بل فعلت شيئًا أشد من ذلك. كنت أنا وهي بحديث عن مشكلة نتشاطر فيها مع طرف ثالث، وكانت تحوّل لي رسائل صويتة من محادثتها معه، وأثناء ذلك اختفت لدقائق، واستغربت اختفاءها، إلا أن مقطعًا وصلني منها، فلقد قامت بتصوير الشاشة كمقطع فيديو، تشغل الرسالة الصوتية وتعلق عليها بنفس الوقت، وانتهى المقطع في المرة الأولى التي شغلته فيها ولم اسمع أي كلمة من الضحك ومن الصدمة، واضطررت لسماعه مرة ثانية لأستطيع الفهم. وإن تحدثنا عن التضحيات والشجاعة بهذا الخصوص، فسديم تتربع على العرش. 

وأخيرًا وهو ما عشته في الأمس، تحويل المال من الحساب البنكي لشخص آخر بدون التأكد عشر مرات من المبلغ المحدد. أجد صعوبة في تحويل المبلغ مباشرة بدون التأكد من أنني لم أضف صفرًا آخرًا بالخطأ. مع أنني حتى بإضافة صفر لن أستطيع إرسال المبلغ لأنه أصلًا غير موجود في حسابي، إلا أنني أخاف إرسال المبلغ مضاعفًا لغريب وأن أجد صعوبة في استعادته. ومع أنها لم تحدث أصلًا إلا أنها من تلك المخاوف التي أخاف منها بلا داع أو وعي. ومع أنني بالأمس يجب علي دفع فقط ٢٥٠ إلا أنني تأكدت من أنني لم أضف صفرًا لأربع مرات. وأقول بأنه من الشجاعة أن تحوّل مبلغًا من دون أن تتأكد منه أربع مرات، وأتمنى أن أجد الشجاعة في هذا المجال، وأتمنى بأن زيادة صفر على المبلغ وتحويلها لن تنقص من حسابي البنكي شيئًا. 

وحتى نجد الشجاعة لفعل كل شيء نريده، وحتى أجد الموافقة على كل شيء أريده، وحتى الاثنين القادم، إلى اللقاء يا أصدقاء. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top